بقلم:محمود فؤاد
((بص يابني الإنسان لا بيتاكل ولا بيتشرب))
يخبرني ذلك الشاب الريفي عن تلك المقولة التي ترددها والدته دائما..وقفت للحظات
اتأمل في كلمات تلك السيدة والحكمة الرائعة الكامنة فيها..هي تعني بشكل ما أنك لست
بحاجة ماسة إلى أي إنسان..ومن زاوية أخرى أنه ليس هناك ما يستأهل أن تتحمل أي شخص
لا يتعامل معك بالشكل الذي تراه مناسبا..وهي قاعدة بسيطة إما أن تحاول أن تكون
مهذبا ولا تتعدى على ماهو مسموح به بل وأن تكون طريقتك في هذا مقبولة وإما سأركلك
في مؤخرتك تمهيدا للخوض بقدمي في رأسك.
إذا تأملت في المجتمع المشوه
الذي نعيش فيه اليوم فمعظم البشر كائنات قذرة منافقة وبألف وجه على استعداد
لإحراقك حيا إذا فكرت أن تعارض مصالحهم..هكذا أصبح تضارب المصالح واقعا مفروضا
عليك مجموعة من دوائر تحتوي دوائر أصغر كل منها يمثل مجتمع ينتمي إلى مجتمع
أكبر..بشكل بسيط لنفترض مثلا أنك طالب في كلية ما..فهناك تضارب مصالح بينك وبين
زملائك على الوظائف وفرص التعليم المتاحة..والكلية هي جزء من مجتمع المدينة التي
هناك بينك وبين سكانها تضارب مصالح على المواصلات والسلع والخدمات العامة والتعليم
والصحة إلخ..والمدينة جزء من مجتمع المحافظة والمحافظة جزء من مجتمع الدولة
والدولة جزء من العالم بتطبيق نفس المنطق على كل مجتمع أكبر.. وهكذا فإن تضارب
المصالح موجود بينك وبين كل سكان الكوكب ولك أن تتخيل شخصين متحضرين في قمة الجوع
ولا توجد إلا قطعة خبز واحدة أو لا يوجد شيء على الإطلاق..لا أريد ان أبدو سوداويا
ولكنني أتخيل دائما الإنسان وقد سقط عنه قناع التحضر في الظروف القاحلة(التي نعيش
نوعا منها) وأصبح يتحرك بغريزة البقاء وهو شيء لا يد له فيه.. أتخيل صيد الإنسان
كمادة للطعام كنشاط بشري عادي لسد رمق
الجوع..يتكلم علماء الأنثروبولوجي أنه في بداية ظهور الإنسان كان اصطياد البشر من
الأجناس أو القبائل الأخرى نشاطا معترف به بالغريزة.. بكل بساطة هو كائن حي يحتوي
جسده على البروتين اللازم وهو ليس سريع الحركة كمعظم الكائنات..وأتذكر أيضا ذلك
المشهد من رواية جاك لندن((قبل آدم)) الذي يطارد فيه(أهل النار) سكان الكهوف الذين
لم يكتشفوا النار بعد بالسهام لطهيهم والتهامهم على العشاء ..وفي هذا تعارض واضح مع
كلام السيدة بأن الإنسان لا بيتاكل ولا بيتشرب ولكننا لم نصل لتلك المرحلة بعد
وربما لا نصل إليها بشكل ما(ليس مجاله الآن)
كما يقال (أسوأ رذيلة هي
النصيحة) فأنا لا ألعب دور الناصح هنا..ولكن حاول ان تكون إنسانا في التعامل مع
الآخرين فإذا قوبلت بالعكس فالإنسان لا بيتاكل ولا بيتشرب فلا تتردد في جعله يجرب
مذاق حذائك !..ولا تنسى أن تتذكر أنت أيضا أنك ((لا بتتاكل ولا بتتشرب))

