محمود فؤاد
الأسوء من الموت هو انتظار الموت..الأسوء من انتظار الموت هو أن تقرر الطبيعة وقوانين الصدفة في لحظة عادية جدا في يوم طبيعي جدا أن تنهي حياتك..أتذكر مشهد من المسلسل الأمريكي "فارجو" عندما تبع ابن زعيم المافيا المحلية قاضية إلى إحدى مطاعم الوافلز على الطريق ودخل وراءها ليجبرها على تغيير رأيها بشأن قضية لأحد عملائه..وعندما أعلنت رفضها برواية قصة توراتية عن المواجهة بين أيوب والشيطان و حذرته أن يرحل ثم أطلقت في وجهه سبراي للدفاع عن النفس أخرج مسدسه وأرداها وعندما تحرك النادل محاولا ضربه على رأسه قتله هو الآخر..ثم استدار إلى النادلة الريفية التي استقبلته عند دخوله وقد شلها الخوف وأرداها هي الأخرى..هناك ثلاثة أشخاص انتهت حياتهم في هذه اللحظة لأن ظروفا ما قد اجتمعت لتخلق هذا الموقف..لا اتكلم عن أن الميت كان يمتلك أسرة وحياة وكل هذا..هذا يعتمد..بعد أن يموت هو فلن يختلف معه الأمر في شيء..الأمر نفسه غير عادل بالمرة وغير مبرر ولكنه منطقي..الطبيعة لا تسير وفق إرادة أحد ولا تهتم بالمرة بمشاعرك الشخصية ولكننا للأسف نمتلك مثل هذه المشاعر..في قصة قصيرة لستيفن كنج بعنوان "وفاة" يقوم شخص سكير باغتصاب وقتل فتاة صغيرة يوم عيد ميلادها ليحصل على دولارها الفضي وقد تم العثور على قبعته التي لا يراه أحد دونها في مسرح الجريمة..البلدة كلها تعرف أنه القاتل إلا أن مأمور الشرطة هو الشخص الوحيد الذي يشك أنه قد يكون مظلوما..القاتل نفسه حتى اللحظة الأخيرة وقبل أن يتدلى من المشنقة يبدو مقتنعا تماما بأنه لم يفعل ذلك..الشريف يظل على شكه هذا حتى يكتشفوا الدولار الفضي في برازه الذي سقط مع ارتخاء عضلاته العاصرة لحظة اعدامه..نعم هو بالتأكيد مغتصب وقاتل ولكنك إذا نظرت للأمر من منظور آخر فهذا رجل قادته حياته كاملة لهذه اللحظة..انحدر به الحال حتى أصبح سكيرا بائسا وفعل ما فعله..نعم هو مظلوم ولكن ليس كما رآه الشريف..كلا من القاضية والنادل والنادلة الريفية والقاتل السكير والطفلة استيقظوا صباحا وهم لا يعرفون أن حياتهم تبقى فيها ساعات وهذه فكرة أكثر إرعابا من الموت نفسه ..أحب أن أفكر أن الطبيعة وحتى قبل ظهور الحياة ومرورا بكل أسلافنا ولمليارات السنين تدبر لي كل لحظة أعيشها الآن ولكنني عندما أصل إلى فكرة الموت بهذا الشكل أشعر بالغرابة وخوف مبهم..اليابانيون يقيمون الاحتفالات والموسيقى ويرتدون الأزياء الملونة في وفاة الأشخاص كبار السن..في فلسفتهم هو قد عاش حياة طويلة وسعيدة حتى استحق أن يرقد أخيرا في سلام ويعود إلى الطبيعة ليمتزج بها مرة أخرى..يحزنون فقط عند وفاة شخص صغير أو كما نقول :مات ناقص عمر.......يقول نجيب محفوظ في سن متقدمة من عمره المديد: أعتقد أنني قد أقمت حياتي على الحب..حب العمل..حب الناس..حب الحياة..وأخيرا...حب الموت
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق