بقلم:محمود فؤاد
استخدمت الحبكة القصصية التي تحمل العلاقة بين الإنسان والشيطان في العديد من الروايات والأفلام الغربية منذ فاوست الرجل الذي باع روحه للشيطان والتي تحولت لفيلم سينمائي من إنتاج عام 1926 مرورا بrosemary's baby و the exorcist إلخ إلخ وصولا إلى الفيلم الرائع the devil's advocate وغيره وهنا رابط لأشهر الأفلام التي تناولت هذه الفكرة:
http://letterboxd.com/jjjoinut99/list/my-top-50-satanic-films-of-all-time/
كذلك لم تخلو السينما المصرية من هذه الحبكة بل ربما هي الحبكة الماورائية الوحيدة التي تناولتها بحكم ارتباط الفكرة بالدين الإسلامي وبالتالي شغف الجمهور بها..فأفلام مثل (التعويذة )ليسرا ومحمود ياسين و(البيت الملعون) لماجدة الخطيب وسمير صبري و(عاد لينتقم) لعزت العلايلي جميعها تتحث عن بيت مسكون بالجن والأرواح والتي تصب اللعنات على ساكني البيت إما من نوعية اشتعال النيران فجأة أو الحمام الممتليء بالدم كما في (التعويذة) أو أن تقوم الأشباح بمطاردة أبطال الفيلم وتحاول قتلهم كما في الفيلمين الأخيرين...كذلك توجد حبكة أخرى أكثر رشاقة من الأفلام السابقة تمثلت في فيلم (الإنس والجن) لعادل إمام ويسرا والذي يحكي عن فتاة تعمل بمركز البحوث عائدة لتوها من الولايات المتحدة تقابل جلال (عادل إمام) وتتعقد الأحداث حتى يصارحها في النهاية بأنه ينتمي لعالم الجن..هذا الفيلم الأخير بالذات مهم لأنه تناول العلاقة بين الخرافة والعلم..فالدكتور أسامة(عزت العلايلي) لا يصدق أن فاطمة (يسرا) تحب جني أو مصابة بمس شيطاني ما ويصر على أن ما بها مرض نفسي وبالفعل تدخل إلى مصحة نفسية ولكن هذا لا يحل المشكلة تلجأ للمشعوذين وحفلات الزار (وهي الباحثة المثقفة) فلا تحل المشكلة ويظهر الدين في نهاية الفيلم كعلاج للأمر عندما يجلس عزت العلايلي يقرأ القرآن ليحترق الشيطان في النهاية..استمتعت بالفيلم وأجده جيدا وكذلك غيري ولكنني لم أنقله للحياة الواقعية أبدا..هو فيلم وعمل فني وكفى ولكن ليس هذا هو الحال بالنسبة لأغلبية الجمهور الذي شاهد الفيلم..للأسف معظم هذه الأفلام يساهم في ترسيخ الخرافة عند بعض الناس..فهو لا يناقش قضايا فلسفية مثلا كقصة فاوست التي تدور حول سعيه إلى اكتشاف الجوهر الحقيقي للحياة..ما يقوده إلى استدعاء الشيطان ليبرم معه عقداً يقضي بأن يقوم بخدمته طوال حياته ليستولي على روحه بعد مماته، لكن الاستيلاء على روح فاوست مشروط ببلوغه قمة السعادة..أو فيلم (محامي الشيطان) الذي أحب فيه الناس الشيطان الذي جسده العظيم al pacino بروعة وبفلسفته المثيرة في الحياة..ووجد فيه بعض المتدينين صورة حقيقية للطريقة التي يلتف بها الشيطان على الإنسان وتجسيد حقيقي لمقولة أن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم ((احترسوا ها أنا أرسلكم كالغنم وسط الذئاب))..وكذلك فإن هذه الأفلام لم تضع العلم أبدا في مواجهة صريحة مع الشيطان.
(الفيل الأزرق)..قرأت الرواية عند صدورها وشاهدت الفيلم كذلك بعد ان علمت باسم مخرجه والذي أخرجه بصورة جيدة بالمناسبة.. وللصراحة فوجئت منذ قرأتها بالتغير التام في مجرى الأحداث من اعتبار الأمر مرض نفسي أصاب شريف الكردي واضطرابات نفسية أصابت الدكتور يحيى (لاحظ أنه طبيب نفسي فهو يمثل العلم كعزت العلايلي) وانقلاب الأمر رأسا على عقب بوضع العلم مرة أخرى في مواجهة الخرافة ثم الانتصار للخرافة..استعان أحمد مراد بالحبكة التقليدية التي تحمل العلاقة بالشيطان..الصورة الذهنية المترسخة لدينا جميعا ستدفعك دفعا للبحث في التراث هكذا اتجه إلى محرك البحث جوجل ولا أدري ما كتبه ولكنه اصطدم بقصة وردت بكتاب عبد الرحمن الجبرتي ((عجائب الآثار في التراجم والأخبار)) والمعروف باسم ((تاريخ الجبرتي)) والتي تتحدث عن قصة دارت في القرن الخامس عشر تم فيها تلبس أحد الأثرياء بأحد الشياطين يدعى((نائل النكاح)) بعد أن رسمت إحدى المشعوذات لزوجته وشما على فخذها..فقام بنقل القصة إلى العصر الحالي مع إضافة بعض البهارات (اللي بتعجب الشباب العميق) من نوعية طبيب نفسي وحب قديم يطفو إلى السطح.. الكحوليات والحشيش وحبوب الهلوسة (ال LSD أصبح محروقا ومستهلكا عند الشباب فشبيهه DMT يصلح لهذه المهمة) وفتاة يصفها بأنها ماكينة Harley Davidson (دارين حداد بالفيلم) يتعاطى معها كل هذا ويمارس معها الجنس ورسم الوشم من قبل مشعوذة سوداء تشبه سحرة الفودو التي يمكن استبدالها برسامة التاتو الساخنة التي جسد دورها في الفيلم شيرين رضا زوجة عمرو دياب السابقة..هذا شيطان رجيم يستطيع إقناع الطبيب النفسي بأنه يعاني من اضطرابات نفسية ويستخدم تكنولوجيا العصر كذلك (والتي تتعارض معه بشكل جذري) ويدير أمور البشر المخيرين المسيرين في نفس الوقت يا مؤمن بطريقة تثير الخيال وقد قام (خالد الصاوي)بالدور بشكل رائع في الفيلم يؤكد أنه أفضل ممثل مصري في آخر 10 سنوات..احترم أحمد مراد لادراكه لعقلية معظم الشباب المصري العميق المنفتح جدا والمتدين جدا في نفس الوقت بالإسلام الوسطي الجميل الكيوت وإعداده للخلطة السابقة بطريقة يحسد عليها وبشكل يليق بكاتب خرم ماسورة المبيعات في العالم العربي والمنطقة الواقعة شمال الصحراء الكبرى والربع الخالي..لم ينسى أحمد مراد أن تكون ناهية الفيلم (التي تختلف عن نهاية الرواية) شبيهة بنهاية فيلم (the devil's advocate) مع إضافة لمسته الخاصة..فتحدث المواجهة بين البطل والشيطان ويبدو للوهلة الأولى ان الشيطان سينتصر في المعركة الأبدية ويبدأ بالحديث عن فلسفة الإله والجنة وفلسفته الشخصية مع الإنسان..ولكن احمد مراد لا ينسى أن يستهزا الشيطان بالعلم وان ينتهي الأمر بتعويذة مضادة يرسمها كريم عبد العزيز بهيستريا على الجدران والشيطان بيتحرق وبترجع الدنيا مشرقة وجميلة بعد انتصار الحق..استمتعت بالفيلم كخيال صرف وفيلم للتسلية السريعة..هو ليس عمل إبداعي أصيل ولكنها خلطة ممتعة بالتأكيد وخالد الصاوي كان جيدا كما أن هذا فيلم يخبرك بالكثير بالفعل عن ظاهرة أحمد مراد التي لا تقل أهمية عن ظاهرة الشيخ بيبسي ابن الأمريكانية ..ولكن عزيزي القاريء ألا تؤمن إيمانا قطعيا بإمكانية حدوث تلك أحداث الفيلم او الرواية على أرض الواقع؟
أيضا وجود الخرافات دي وتأصلها في ثقافة شعب دا في حد ذاته سبوبة لبعض الاشخاص :)
ردحذفتمام..والايمان بالخوارقيات والخرافات هو الأساس الحقيقي للجهل والتخلف
ردحذف