أنا

أنا

الجمعة، 14 نوفمبر 2014

الإنسان الأعلى (1)

((إنني أدعوكم بدعوة الإنسان الأعلى..فإن الإنسان شيء يجب أن يعلى عليه..فماذا فعلتم من أجل العلاء عليه؟)) هكذا تحدث نبي العصر نيتشه على لسان زارا في كتابه المقدس "هكذا تكلم زرادشت" وهكذا بدأ العلم والحضارة يستجيبان لنبوءته وصولا إلى الثورة التي نشهدها في هذه اللحظة بالذات..الإقبال على الحياة والتسارع تجاه المستقبل والدعوة المستمرة لإعلاء قيمة الجسد والعقل على الروح والذات وهي أشياء لا تصلح إلا للأشعار وأساطير الأجداد..البحث عن كيفية لزيادة القدرات المحدودة للجسد والعقل البشري أصبح حلم معظم أبناء البشرية حتى لو لم يكونوا مدركين لهذا..أصبح تقديس الجسد وقدراته هو الأيدولوجية الاجتماعية لأبناء الكوكب كافة (المنشطات الجنسية-الترامادول-الميث أمفيتامين-MDMA-مشتقات الدوبامين والنورأدرينالين ومواد كثيرة أخرى غير معروفة في منطقتنا)..أصبح الشعور بالذنب يعود إلى عدم القدرة على الاستمتاع وليس لارتكاب الخطايا التي اتضحت نسبيتها وهرائها مقارنة بالمستقبل الذي ينتظر الإنسان..يمارس معظم سكان الكوكب هذا الاتجاه بالضبط كما يعرف كارل ماركس الأيدلوجية في كتابه رأس المال الجزء الأول:هم لا يعرفون ما يفعلونه ولكنهم على الرغم من ذلك يفعلونه..وهو اتجاه تدفعك له الحضارة والطبيعة على الرغم منك ومن يعارضها ستنكسر رقبته وتتهشم عظامه لا محالة..هذه هي طبيعة الأشياء..التطور..ومعارضتها هو حكم نهائي عليك بالفناء..فأنت حين تختار الانسياق وراء مفاهيم الماضي وتفسيراته للواقع وترفض أن تفتح عينيك لترى الحقيقة الوحيدة المنطقية والمثبتة أو أن تعترف حتى بنسبية ما هو غير مثبت وأنك تمتلك حقيقته تقتل نفسك ببطء حتى تتلاشى في مواجهة من أيقنوا بهذه الحقائق ويقودون الآن هذا العصر وصولا بالإنسان لطاقات وقدرات وإمكانيات مذهلة لم تبلغ خيال بشري من قبل بدأت حين أيقن أنه ليس هو محور هذا الكون وأنه مجرد وحدة بيولوجية متطورة عن الوحدات الأخرى وأنه ليس أمامها إلا أن تبلغ المرحلة المقبلة تمهيدا لما يليها من كائنات أكثر تطورا..تقتل نفسك ببطء وتعيق مسيرة التطور التي حينما تبلغ مرحلة معينة سيصبح التخلص منك نهائيا أمرا ضروريا لاستمراريتها..يتابع معظمنا الأفلام الهوليودية التي تطورت أفكارها بشكل مذهل في العشرين عاما الأخيرة لتواكب مع ما توصل إليه العلم فعلا وما بدا بالأمس خيالا علميا أصبح الآن حقائق علمية تطبيقية وحل اليقين النسبي محل الخرافة..نشاهد النقلة الهائلة التي صنعها مخرجين من أمثال كريستوفر نولان على سبيل المثال والتي تحمل إسقاطات مستمرة على من يعوقون مثيرة الحضارة حقا تحت شعارات الثورة والحرية كما في فيلم باتمان الأخير أو نراه ينظر إلى المستقبل البعيد حينما ينطلق الإنسان في الفضاء بحثا عن كواكب أخرى لوضع البذرة البشرية فيها كما في فيلمه الجديد interstellar..هذه أفكار ليست جديدة ولكن كونه من أبناء العصر الحقيقيين فهو يتحدث عنها بثقة ويقين حقيقي ورؤية واضحة ومحددة بل إنه يتعامل معها كواقع مدركا لفلسفتها الحقيقية ويشكلها بمهارة ليصيغ إسقاطاته المثيرة دائما للتأمل..نلاحظ كذلك أن السمة العامة للسينما الأمريكية في السنوات الأخيرة هي ارتقاء الإنسان أو منطق الإنسان الأعلى كالفكرة التي تناولها لوك بيسون في فيلمه lucy والذي شارك فيه المصري عمرو واكد وصولا إلى أفلام الأبطال الخارقين لمارفيل وغيرها..كذلك الفكرة التي تتحدث عن الشكل الذي ستكون عليه نهاية البشرية..كل هذه الأفكار قد تطورت من صورها الاولية القديمة وأصبحت أكثر نضجا.. وأصبح إيصالها متاحا ويسير على التخيل مع التطور الهائل في البصريات الذي أتاحه العلم..فأنت حين تقارن فيلم العظيم ستانلي كيوبريك2001:space time odyssey من إنتاج 1968 بفيلم نولان الجديد يتضح لك ما أقصده..يقال أن الحضارة بدأت حقا حينما استطاع الإنسان اختراع الكتابة لتدوين ما توصل إليه ونقله إلى خلفائه..نقل المعرفة..المعرفة هي القوة والقدرة على الاحتفاظ بها واستخدامها وتطويرها هو المقياس الحقيقي لمستقبلك..وصولا إلى ثورة الاتصالات والمعرفة التي نعيشها في عصرنا والتي بدأت تنجب أبناء لهذا العصر حقا..أبناء العصر الذين يفهمون ويتفهمون طبيعته حقا وليس من يلوون عنق هذه القدرة المعرفية لخدمة التحلف والجهل كما يحدث الآن..وأنا على يقين أنه في فترة ما سيمنع تداول الهراء والتخلف على شبكات المعلومات..لن يذكر إلا الحقائق والحقائق فقط..وأنا على يقين كذلك أن من سيفعلون هذا هم أبناء العصر حقا..الذين ولدوا وترعرعوا تحت الشمس كما كان الأمر دائما في كل عصر وكل جيل..سنصل إلى مرحلة لن نكون فيها في حاجة إلى الديمقراطية التي عاقت الإنسان طويلا عن تنفيذ مهمته الأساسية..التطور..الإنسان الأعلى..هذه مقدمة سريعة لسلسة من المقالات تحمل توضيحا وأفكارا أكثر..وتمهيدا لها أقتبس من دانتي في بداية كوميدياه الإلهية:((في منتصف طريق حياتنا..وجدت نفسي في غابة مظلمة..إذ ضللت سواء السبيل))

هناك تعليقان (2):

  1. أنا شايف نولان 2014 حاجة مختلفة تماما. أعرف ناس بتربطه بمومينتو وإنسيبشن، أنا دلوقت بقيت شايف الحاجات دى لعب عيال وسخيفة كمان. لسه بأفكر أنا ليه ما حبيتهاش أوى وإن كانت عجبتنى طبعا. زى ما تكون نبوءة جوايا بتقول لى لسه فيه عنده أعظم من كده. كتبت عن صحوة فارس الظلام أسأل هو ها يقدر يعمل إيه فى بقية حياته؟ برضه كأن العقل الباطن بيقول ده ها يعمل حاجة، موش أنه موش ها يعمل.
    أنا اتكلمت عن طريقة لبسه كذا مرة قبل كده. ملابسه لازم تكون كده. هو يمينى أستقراطى، على الشاشة وخلف الشاشة.
    نيتى كانت أصلا أعمل رد على عامود الجمهورية السنة إللى فاتت عن خيال 2013 الضعيف، أتكلم عن لوسى وغيره، لكن نولان فرض نفسه. ده شخص أفقه مختلف خالص، عالم فيلسوف ابن ماضى الحضارة ومستقبل الحضارة وكل حاجة.

    ردحذف
    الردود
    1. أقصد أن نيتى الأصلية عمل بلوج زى الجميل ده.

      حذف