بقلم:محمود فؤاد
تلك الأرواح الحائرة..القلقة..اعتادت ألا تشتاق..ألا تهفو..ألا تحس حتى أو تحنو..تضاءلت شيئا فشيئا حتى كادت أن تخبو..هي كذلك لا تقسو..لطالما حُبست وقُمعت..لكم اضطربت وأنّت..ولكنه أنين مكتوم..يحمل صدى الصوت القادم من الفراغ الذي خلفته حيث حلت لفترة ما.
********
تلك
الأرواح الهائمة كشبح دوق فرنسي في أروقة أحد القصور أو جسد قديس منسي في قبو أحد
القبور..أو حتى مقام وليّ..في طرف أحد القفور..لم تتصور أبدا..في أبشع وساوسها..أن
تنهار السدود..ليغرق الوادي..بينما الشياطين تحلق هناك عند كل فج ومد..تضحك ضحكتها
الماجنة الرقيعة..وتحوم بكياناتها العريضة الرفيعة..أن تكون الحقيقة..هي
الجنون..والأفق عبث ومجون..بينما المياه ترتفع..ولكن مهلاً..المياه ليست بهذه
اللزوجة..ليست بهذا اللون..ربما هو انعكاس تلك الكيانات الشيطانية..ربما هو الأفق
المكفهر..أو ربما هي الأرواح المعذبة في نهر هيدز وذلك القارب هناك يحمل بلوتو
مبعوث الجحيم..جحيم دانتي..او أي جحيم لعين آخر أوجده بشري في خياله..هل يجب أن
أبالي؟!..اسمع صوتا صلدا معدنيا يتردد في أرجاء وعيي..لو لم تكن تبالي فلماذا أنت
هنا؟..نعم..لماذا أنا هنا ؟!
********
في
مشهد آخر..اركض بينما هم خلفي..والعويل والجلبة والصراخ يرتفع:اعدموا هذا الخائن
!..يقتلني بنظراته كل كائن..اركض بجلبابي الممزق المهلهل وأشعر بدمي الساخن يسيل
وجسدي المبلل يئن..أنا الخائن كما يقولون..رغم أنني أعرج..رغم أنني كفيف..رغم أنني
أصم أبكم..لكنهم مصرون كما يبدو على رجمي وحرق جثتي وإطعام البقايا للهوام.
********
في
إحدى اللوحات أنا الحسين رضي الله عنه وقد تخضبت الرمال من حولي بالدم بينما خولي
بن يزيد يحتز رقبتي ويضعها على قائم خشبيّ ليطاف بها..وضحكة ابن معاوية تجلجل في
الأفق تختلط معها ضحكة أخرى سوداء عابثة.
********
في
لوحة أخرى سقراط وأفلاطون وأرسطو ونيتشه وشوبنهاور وديكارت وبرتراندراسل
وسارتر يتحلقون حول النار فوق قمة جبل..بينما أقف أنا وألبير كامو في طرف
اللوحة..نتحدث..ثم اتركه..أسير نحو الحافة..واقفز.
********
أنا
اجلس في حديقة عامة والأسماك تغرد على الأشجار من حولي..قرصا الشمس في السماء
تغطيهما بعض السحب..والعشب الأزرق يثير شهيتي أكثروأكثر للطفل الصغير المشوي الذي
التهمه ..وأحاول أن أٌضيف بعض التوابل الفاتحة للشهية له.
********
في
اللوحة التالية أنا أسد واهن أنهكه النزيف حتى سقط أرضا ونور الحياة يخبو من عينيه
بينما تحيط به دائرة واسعة من عشرة ضباع يتناوبون عضه وانهاكه أكثر فأكثر وهي تطلق
ضحكات صاخبة..ساخرة..ماجنة وقاسية.
********
في
اللوحتين الأخيرتبن يخبرونها بنبأه..وبأنه كان شجاعاقويا..وأنه كان يحبها وآخر ما
ردد لسانه هو اسمها..فتنهار وتسقط أرضا..في اللوحة التالية..بمجرد رحيلهم ترتسم
على وجهها ابتسامة ساخرة وتبرق عيناها الجميلتان بالسعادة وهي تعود لخليلها
بالداخل.
********
تأمل
اللوحة..نظر لجنبات اللوحة..عانقها بنظراته وضمها إلى جفنيه..هل تعمد الرسام أن
يضعها بهذا المكان البارز؟..كما هي في القلب..قلب السر !
هي
نفسها جزء من السر..والسر جزء من أسرار القلب..آه أيها القلب المثقل بالأسرار..لم
تكف يوما عن الفرار.. بحملك الثقيل..وكاهلك المثقل..فسحقا.
هل ما
زلت أنت حقا أيها الرسام؟..أتيت ما لم تتخيل فعله..واجهت..سقطت..انتصبت..ولكنك
سقطت كعود من الحطب الهش..هش كقلبك التائه في غوار عينيها.
لا
رائحة..لا ألوان..هو شيء بلا رائحة أو ألوان..شيء لا تفهمه أو تتفهمه..ولكنك تصر
أن ترسمه..تصر وتقول: سيأتي وقت أشم فيه الألوان وأرى الرائحة.
ويمر
الدهر وتسافر السنون..ترى في الانتظار فنون وفنون..تراه يتشكل..يتكون..يتغذى ويمتد
حتى ليلتهمك..وتتشعب التفاصيل أكثر فأكثر فأين أنت ؟!
كخطوط
فرشاتك أنت.. أحيانا ما تكون عنيفة قوية.. أو ناعمة..مترددة..أو منسابة..تعرف
طريقها حقا أو تائهة مرتابة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق