أنا

أنا

الجمعة، 28 أغسطس 2015

دوناتس..قصة قصيرة


  بقلم:محمود فؤاد

إنها واحدة من تلك الليالي,جالسا على أريكتك تتناول القهوة بعد منتصف الليل رغم أنك في آخر مرة لم تستطع النوم بعدها وفطيرة مملحة في طبق صغير أمامك منذ الأمس لم تمسها,أجلس القرفصاء في ظلام دامس أصغي إلى صوت الماء القادم من نافورة صغيرة في مدخل البيت,أحاول التقاط أي أصوات بعيدة ولكن يبدو أن أنه لم يتبقى بشري واحد..اسمع صوت خطوات تتقدم ببطأ في الممر الأمامي للمنزل,أرهف السمع لاتأكد أنها خطوات شخص واحد هو في الغالب امرأة..انهض بتثاقل وأخطو ببطأ تجاه النافذة جوار الباب دون إصدار أي أصوات,طرقات على الباب هي طرقات امرأة,أتجاهلها فاسمعها تقول أنها تراقبني منذ أيام وتعرف أنني هنا..استمر في تجاهلها فتقول أنها قد عرفتني من قبل وأنني لست من النوع الذي يتخلى عن أحد في موقفها..((ساعدني أرجوك))..أخرج من الباب الخلفي وأدور حول المنزل بحذر متفقدا الأنحاء..أتوارى خلف تلك الشجرة وأدير النظر في المكان فلا أجد إلا فتاة شقراء متوسطة الطول تواجهني بمؤخرة عظيمة ومنظر جانبي لأثداء هائلة لكنني لا أفقد حذري رغم ذلك..انتظر قليلا خلف تلك الشجرة لأجدها قد يئست تماما فجلست على السلم مسندة ظهرها إلى الباب مغمضة عينين كبيرتين..انتظر خمسة دقائق أخرى ثم أتقدم تجاهها..أضع يدي على كتفها فتجفل بشدة وتمسك بمعصمي بقوة ولكنها ترخيها ببطأ وهي تنظر في عيني مباشرة وقد انبثق من بينهما شعاع من الليزر الأحمر ومنهما نظرة رعب هائلة ..استدرت فتحركت بقعة الليزر لتسقط على موضع قلبي وصاحبها يتقدم للأمام من خلف شجرة بعيدة مرتديا حلة سوداء أنيقة ونظارة مستديرة بدون إطار (عيون البومة) وقد زحف الصلع على مقدمة رأسه حاملا حقيبة سوداء أنيقة بإحدى يديه..اقترب وعلى وجهه ابتسامة مليئة بالتجاعيد ولوح بمسدسه بأن أسير أنا وهي إلى الداخل ثم جلس على أريكتي وأخذ يتأمل أجسادنا بنظرات مدققة قرابة الثلاث دقائق..أزال طاقم أسنان من فمه دون أن تفارق ابتسامته وجهه بعدها أشار إلى ملابسه ثم إلينا و لوح بمسدسه لأسفل..شعرت برجفة الفتاة بجواري وشممت الأدرينالين يتدفق في عروقها..وقفنا نرمقه بدهشة فأخرج دفترا من جيبه دون فيه شيئا ما ثم ألقى بالورقة أمامنا..(اخلعا ملابسكما..ببطأ)..نبدأ في إزالة ملابسنا..أنزع قميصي فتنزع هي قميصها..أنزع بنطالي فتفعل تفس الشيء..نقف الآن أمامه بالملابس الداخلية فيهز رأسه يمينا ويسارا ببطأ ثم يشير بسلاحه للورقة مرة أخرة..فأزيل أنا بوكسري القطني الخفيف وتذيل هي حمالة صدرها فيشير هو إليها ألا تنزع شيئا آخر..يكتب في الدفتر مرة أخرى ولكن لوقت اطول ويلقى بالورقة أمامنا..(انظر إليها جيدا..الوقت الذي تحتاجه..ثم اجعلها ترتدي ملابسها مرة أخرى..بعدها أريدك أن تغتصبها..أن تمارس معها الجنس بأعنف ما يمكن..أن تفعل معها أقذر الأشياء التي قد فكرت بها من قبل..أنهكها أولا قدر المستطاع قبل أن تلج بها..وهي يجب أن تبدي مقاومة حقيقية)..أستدير إليها وأفعل كما طلب ثم أمزق قميصها بقوة فتتناثر أزراره في كل اتجاه..أضع يدي على حمالة صدرها واعتصرها بقوة بينما هي تطلق سيلا من الشتائم والصرخات والرجاء بألا استمع إلى هذا المجنون المنحرف فأضغط شفتاي بقوة على شفتيها الممتلئتين وأعضها عضة خفيفة ليسيل خيطا رفيعا من الدماء..ادفعها إلى الدولاب القصير خلفها مديرا ظهري له وهي تنتفض في يدي وتغرس يدها وأظافرها الطويلة في وجهي فازداد هياجا بينما شعاع الليزر يتلاعب على الحائط فوق رأسنا.. تدفع رأسي إلى الخلف فأراه قد أخرج حبل صغير من الحقيبة وتقدم ناحيتنا وأشار لها بأن تقوم بتقييد يداي خلف ظهري فتدقعني بقوة بعيدا عنها وتلتقط الحبل وتبدأ في فعل ما طلبه عندما شعرت بسن حاد يخترق عنقي استدرت إليه فزعا لاجده يغرس إبرة محقن في رقبة كل منا ويدفع محتواه إلى دمائنا ببطء..حاولت أن أدفعه ولكن يداي لم تستجيبا..حدقت في وجهه الخالي من أي تعبيرات ثم سقطت أرضا.
كانت الشمس قد صعدت عندما بدأ وعيي يتسرب إليّ مرة أخرى..الستائر الثقيلة مسدلة على كافة النوافذ ولكن تسرب شعاع ضئيل من الضوء هنا وهناك,أشعر بطنين هائل في أذني..تعتاد عيني على الظلام بعد ذلك لأراه يجلس على الأريكة أمامنا يحدق في جسدينا العاريين دون أن يصدر حركة واحدة..أحاول النهوض فلا تستجيب عضلة واحدة..أدير رقبتي إليها لأجدها مازالت غائبة عن الوعي وقد تحول وجهها إلى كتلة من الأصباغ الذائبة المختلطة بالعرق والدموع والمخاط وملتصقة بي تماما.

استيقظت هذه المرة على صوت الجرس يقرع بلا توقف , نهضت وأنا اشعر بأن كل عظمة صغيرة في جسدي تؤلمني ونظرت إلى عقارب الساعة الفوسفورية لأجد أنه قد بقيت ساعتين فقط على غروب الشمس حككت رأسي وانا افكر في هذا الحلم الغريب وارتديت الروب من على مشجب قريب واتجهت إلى مدخل شقتي وفتحت الباب والتفت عائدا للداخل..فتحت باب الشرفة وغمرتني أشعة الشمس  بدفء محبب وقد غطت كل شيء بلون برتقالي خفيف..تبعتني هي إلى الشرفة بعد أن ضغطت على زر تشغيل مشغل الإسطوانات ليتسرب صوت أديل في المكان من حفلة في Royal Albert Hall بلندن وهي صالة الاحتفالات التي تم تغيير اسمها إلى اسم الأمير ألبرت ابن الملكة فيكتوريا المتوفي حديثاً عندما قامت بافتتاحها عام 1841 وحضرت أنا بها هذه الحفلة من أربع سنوات مضت..تقول أديل:Whenever I'm alone with you
You make me feel like I am home again
Whenever I'm alone with you
You make me feel like I am whole again
قالت:((من الجيد أن حصلت على نوم جيد..لقد كنت مرهقا جدا بالأمس..)) ثم صمتت وشردت بنظرها للأمام إلى السهول الواسعة المغطاة بالرمال على مدى البصر خلف الحدائق والتجمعات السكنية القريبة..نظرت إليها وطالعت بشرتها الخمرية الناعمة ورموشها الكثيفة وشفتيها المرسومتين بعناية شديدة , أخرجت سيجارة من علبة مارلبورو حمراء ودستها بين شفتيها ثم لامست طرفها بلهب قداحة وهي تميل عنقها الطويل الجميل لتستقبله..كانت ترتدي قميصا حريريا مريحا  أزرق اللون من تصميم رالف لورين على بنطلون أبيض واسع وحذاء رياضي أبيض..تابعت النظر إليها فالتفتت لي وابتسمت وقالت:((كف عن التحديق بي هكذا..))..اقتربت منها وطبعت قبلة سريعة على شفتيها ثم اتجهت إلى الداخل لتبديل ملابسي, ارتديت تي شيرت بولو قطني أبيض على بلو جينز وحذاء أرضي بني اللون من الشامواه ثم خرجت إلى الصالة حيث كانت تنتظرني,توجهت إلى الثلاجة القريبة وأخرجت زجاجة هاينكين وأشرت لها فهزت رأسها نفيا فحملتها ثم غادرنا الشقة لنتجه إلى محل قريب يقدم الدوناتس والقهوة..دخلنا إلى عربتها المازدا الصغيرة وكانت أصوات العصافير تعلو من الاشجار القريبة,ضغطت على زر الكاسيت فارتفعت موسيقى Gabriel Oboe من فيلم The mission فأدرت غطاء الزجاجة بيدي وجرعت جرعة كبيرة من المشروب البارد وتراجعت في مقعدي وأنا استمتع بالهواء البارد يرتطم بوجهي ويتخلل شعري مع إضاءة آخر النهار الخافتة المحببة إلى النفس وقد اصطبغت زرقة السماء بحمرة خفيفة جذابة..التفت إليها وقلت:((المتعة الحقيقية تكمن في كل ما هو بدائي..الجنس..لوحة مرسومة بألوان طبيعية..))ثم صمت وتابعت هي صمتها قبل أن تقول لي:((كنت تبدو شاحبا للغاية عندما فتحت الباب..)) فأرد بهدوء:((من المحزن دائما أن تنظر بعيون جديدة لأشياء أنفقت الكثير من وقتك للتكيف معها))..تقول لي بصوتها المرح:((أنت فيلسوف لعين اليوم أم ماذا..هيييي..إنزل هنا)) تابعنا السير ثم بحثنا عن مكان لنترك سيارتنا واتجهنا إلى هذا المحل الصغير في مقدمة الشارع ,طلبت قطعة من الكعك بالفانيليا وطلبت هي قطعتين من الدوناتس مع كوبين من القهوة الأمريكية دون سكر لكل منا,قلت لها:((كان لدي هذا الحلم اللعين اليوم..)) نظرت لي بنظرتها الهادئة تلك وشعرت براحة كبيرة وأنا انظر إلى وجهها واستمع إلى موسيقى خفيفة تقليدية لمحلات القهوة والشيكولاتة..أقول لها:((انت لا تعرفين عني الكثير)) فتقول لي:((لا يهمنا أن نعرف الكثير عن الذين نهتم بأمرهم))..أقول :((يقولون أن الجنس هو الفعل الذي يفصلنا عن آبائنا..)) ثم رشفت من القهوة أمامي ومازالت هي محتفظة بهدوئها وقلت:((هذا البيت كان يتداعى..أب وأم يتقدمان في السن ويحاولان قدر جهدهما التشبث بالحياة الفائتة..أختي الكبيرة التي لديها كل ما تريد ورغم ذلك لا تشعر بالسعادة..و ولد طموحه أكبر من أن يستوعبه أي شيء..ما يجمعهم هو شيء واحد..أنهم هشون..هشون تماما..كمجموعة من العرائس الورقية في مهب الريح..ربما أقرب صورة للأمر هو قصة إدجار آلان بو سقوط منزل آشر..كل شيء ضعيف..كل شيء سيسقط ويتحول إلى حطام عند اللحظة التالية ولكنني كنت أحبهم جدا..أحبهم بدرجة مرضية وإن كنت لا أظهر ذلك أبدا))..تقول لي:((إن أحب الأشياء إلينا هي التي تدمرنا))..أقول:((لقد حلمت اليوم أن والدي أجبرني على ممارسة الجنس مع أمي ثم قام بتعذيبنا باستخدام آلاته الجراحية..هل هذا حقا ما هو موجود هناك بمؤخرة وعيي..هل أفكاري حقا بتلك القذارة والسوداوية..أليس منتهى العبث أن من الاحتمالات التي يتيحها هذا الكون بقوانينه وفيزياؤه أن تحلم بمثل هذا ))..تقول:((ربما لديك الكثير من الذكريات السيئة..))..أتنهد بقوة وأقول:((لدي الكثير منها..ولكن ذاكرة الإنسان لا يمكن الاعتماد عليها..هل تعرفين..الأشياء تظل فاتنة وجميلة طالما هي بعيدة..مثل تلك الفتاة التي كانت تذهب معي إلى المدرسة الثانوية ولكنني لم أتحدث معها قط..الضوء الأخضر الذي كان يقف جاتسبي العظيم ليتأمله من الخليج الغربي حيث تسكن ديزي وعندما التقى بها لم يعد كل شيء كما كان..))..تقول:((هل تعاني من أزمة وجود؟..السلطة الأبوية؟))..أقول لها:((أنا أعاني من أزمة حياة..أنا موجود إذن سأعيش..لا أشغل بالي بلماذا أنا موجود..نحن بالفعل نقضي حياتنا في محاولات مستمرة للفرار من فكرة الموت..نشعر دائما بأننا في أمان طالما هناك من هو أكبر منا..طالما هناك ما هو أكبر منا..ومصدر هذا الأمان هو الخوف ..ربما هم مؤمنون لأنهم خائفون..عندما تفكر دائما بأنك لست متأكدا من أصل الوجود ..فلن تصبح أبدا متأكدا من أي شيء آخر))..تقول::((ذات مرة حصلت على هذا الحلم..أنا أجلس على شاطيء البحر أداعب المياه بقدمي..عندما ظهر حولي هؤلاء الرجال يرتدون حلات سوداء ويخبرونني أنه قد حان موعد ذبحي الآن..هكذا دون أي مقدمات..فكرت وقتها أنني لن أعيش حتى الصباح لاستيقظ وأتناول كوبا آخر من القهوة..لن أذهب إلى عملي وأقابل أصدقائي وأفعل أكثر الأشياء عادية في هذا العالم..رباه..الحياة جميلة))..أقول وأنا أنظر لعينيها:((الحياة جميلة لأنها اتاحت لي أن أصبح معك..)) ابتسمت ابتسامة خفيفة وهي تنظر لي من أسفل رموشها ثم تبعد عينيها بسرعة في دلال وتقول :((هذه ليست الحقيقة بالتأكيد))..أقول وأنا أناورها بعيني بينما هي تبعدها وتبتسم :((إذا سأطلب قدر من الشيكولاتة وأضع بعضها عيك وأتناولك قطعة قطعة..سأبدأ بالانف..))..تقول:(( لما لا نذهب للمنزل لنرى كيف ستفعل هذا))..نخرج إلى الشارع وقد حل الظلام وأعطى ضوء الأعمدة الأصفر للشارع جوا حميميا بينما تتراقص الأضواء الملونة على لافتات المحلات أمامنا..عبرنا الشارع إلى سوبر ماركت مقابل..ابتعنا زجاجتين من النبيذ الأحمر وشمعة واحدة..دخلنا إلى السيارة وانطلقت بها في نهر من ضوء القمر الفضي بينما صوت سيناترا يرتفع من الكاسيت:
Something in your eyes was so inviting..Something in your smile was so exciting

الثلاثاء، 18 أغسطس 2015

صرخة


بقلم:محمود فؤاد
 
لم يعد يتكلم عن ما حدث أو ما يحدث وكأن عدم الكلام عنه سيجعله كأنه لم يحدث..حينما يصيبه الغضب..فقط يصمت..يضغط كتفيه بقوة كأنه يود أن ينكمش أو أن يحبس ذلك الغول بداخله..يقوم بمجموعة من الحركات العصبية كأن يلوي كاحله بقوة أو يقوم بركل الحائط ولكن الألم لا يتوقف..لا يتمسك بأي أمل لأنه يعلم كم أن الأمل قاسي..وكاذب..وإذا لانت الأمور فعليك أن تتوقع الأسوء وتبدأ في البحث عن الخدعة في الأمر..كل ما يريده أن يبتعد عنهم..هم يؤذونه دوما حتى حين لا يقصدون ذلك..يؤذونه حتى حين يحاولون مساعدته لعلمه أنه ليس هناك بشري يقدم لك شيء دون انتظار مقابل منك حتى أقربهم إليك..هو جالس في غرفته بعيدا عن الجميع ولكنه يعلم أنهم سيصلون إليه..لا مهرب..يشعر بالاختناق من الفكرة نفسه..يمكن للناس وهم لا يزالون أحياءا أن يصيروا أشباحا..لكم تمنى أن يصير شبحا فيتخلص من أعباء جسده وأرواح الآخرين المثقلة بأوهامهم..دائما ما رفض ربط نفسه بأشخاص آخرين لأسباب تتعلق بتقلباتهم المزاجية أو هرائهم عن قيم وأخلاق لا يدركون الغاية منها والتي لا تعني له أي شيء أبدا سوى أنها قدر من التفاهات التي تشكل حياتهم البائسة عديمة الفائدة التي هي مهمة فقط لأنهم يعتقدون ذلك..لأنه يخاف أن تخيب توقعاته فيهم بعد أن يرتبط بهم..ولكم خابت..لكنه لم يكن يستطيع منع نفسه عندما يشعر بالحاجة إلى أحدهم.. ..رغم كل ما حدث له مازال يشعر بنفس النوع من الألم..ألم رهيب..يدب الفزع في قلبه ويبث الهلع في أوصاله..يهيم طويلا على وجهه في الشوارع..يقضي يومه هائما دون هدف ودون أن يرى سوى ممر طويل أمامه بلا نهاية..يذهب لمضجعه مكدودا ويحاول النوم..فلا ينام..ينهض بعد مرور الليل..يستأنف دورته كالهوام..يصرخ بداخله أن كفى ولكن الألم لا يتوقف..يستغيث..يشعر بالاختناق أكثر فأكثر..تنفجر الدموع من عينيه ويتهاوى أرضا..ولم يتوقف الألم..يقول:يارب..يارب..والألم مستمر..يتذكر أي لحظة سعيدة في حياته فيجدها جميعا كانت أوهاما عابرة فيصيح بصوت مخنوق طفولي وهو يميل رقبته كالطفل:نفسي أفرح..يحاول أن ينام ولكن جسده لا يكف عن الانتفاض و روحه لا تكف عن الأنين..والصرخات..الصرخات في عقله لا تتوقف..لا يجد أي منطق في أي كلمات يسمعها..فقط أتركوني وشأني..هذا أنا قد انتهيت فماذا تريدون مني..أنا الذي لا علاج لي..اتركوني بعيدا..لا أريد أن أتذكر أو أرى أحدا يذكرني من أنا..فقط احملوني إلى مكان بعيد..بالتأكيد هناك من لن ينساني ولكن حياتكم ستستمر..يتذكر أنه سيقوم كذلك بتدمير حياة أقرب البشر إليه فيتضاعف الألم ويصبح غير محتمل..يغيب عن الوعي..وحتى في أحلامه لا يجد الخلاص

from Schindler's List 1993

أمون جوث مخاطبا هيلين هيرش : ((أرغب بشدة في أن أصل إليك و ألمسك في وحدتك..كيف سيكون الشعور بذلك,,أنا أتساءل؟..ما هو الخطأ في ذلك؟..أنا أدرك أنك لست إنسانا بالمعنى الحرفي للكلمة..ولكن ربما تكوني محقة بشأن ذلك أيضا..أنا أعني..عندما يقارنونك بالديدان,بالقوارض,بالقمل..أنت تملكين وجهة نظر جيدة..هل هذا وجه فأر؟..هل هذه عيون فأر؟.."أليس له عيون اليهودي؟" (يقتبس من شكسبير في مسرحية تاجر البندقية على لسان اليهودي شيلوك عندما كان يخاطب اثنين من المسيحيين يسخرون منه وكان يقصد أن الكل سواسية)..أنا أشعر بك يا هيلين))..يتلمس وجهها وشفتيها بأصابعه ثم يقول بصوت بارد:(لا لا..لست كذلك)) يواصل نظرته الباردة الهادئة إليها ويكمل:((أنت مجرد عاهرة يهودية))..((كدت أن تقنعيني بهذا ,أليس كذلك؟)) ثم يصفعها بقوة لترتطم بخزانة قريبة وتسيل الدماء من شفتيها

بعد الكارثة !

بقلم: محمود فؤاد
 
تملأ كأسك الثالثة بالشامبانيا من الزجاجة التي جلبها لك صديق من السوق الحرة أثناء سفره الأخير..تشعل سيجارة..تنتهي فتشعل أخرى وأخرى..تعيد تشغيل الفيلم الذي أوقفته منذ قليل وتتابع تلك الفتاة الشقراء قصيرة الشعر بسيطة الملابس بابتسامة هادئة مشرقة تأخذ طريقها جنبا إلى جنب مع صديقها وعلى وجهها حمرة خفيفة حميمية توحي بحمام دافي بعد ليلة دافئة ثم يفترقان إلى عملهما..تفكر أن العلاقات لابد وأن تكون بسيطة هكذا..العلاقات لابد ألا تشغل الجزء الأساسي من مشاكلنا اليومية..تتابع الفيلم قليلا ثم تنهض وتتجه للحمام وتمضي الوقت هناك في قراءة رواية لستيفن كنج كنت قد تركتها منكفئة على غطاء المرحاض ثم تحملها معك وتحمل سجائرك ونبيذك الفوار إلى خارج شقتك وتجلس على السلم المقابل لها..في مقابلك نافذة عريضة يطل من خلفها شارع واسع تتسرب منه إضاءة صفراء خافتة تختلط بالضوء الفضي للقمر من خلال أوراق شجرة كافور عملاقة..تنهمك قليلا في القراءة حتى تسمع صوت الساعة من الداخل تعلن عن منتصف الليل فتنصت لتستمع إلى خطواتها تداعب درجات السلم..تلتمع عيناك المرهقتان وتمد يديك تتحسس رأسك المغطاة بالقشور ولحيتك الملساء..تقترب منك وتخرج لسانها الطويل الملفوف كالحرباء فتخرجه أنت الآخر ويلتقي اللسانان في عناق طويل..يسحب كلاكما لسانه ويعيده إلى الثقب الصغير في منتصف رأسه..تساعدها في حمل الطعام الذي جلبته معها ثم تصب لها كأساً ترشف منه بممصاتها بهدوء و تسترخي أكثر على أريكتها ..تعيد تشغيل ذلك الفيلم الذي تم إنقاذه من بقايا ما قبل الكارثة بينما ممساتك الشعيرية الطويلةتداعب جسدها تساعدها في التخلص من عبء البقاء بالعالم الخارجي

إفيجينيا



إفيجينيا..لوحة أنسيلم فيورباخ من ملحمة الإلياذة..ابنة أجاممنون التي طلبت الآلهة دماءها قربانا كي تبعث الرياح لتحرك أسطول هيلاس إلى طروادة فنزل الكرب العظيم على والدها القائد الذي بعث ليجلبها موهما إياها بأن أخيل تقدم لخطبتها ولكن قلبه قد رق لها وتغلب الأب بداخله على إيمانه فبعث إليها رسالة ألا تأتي ولكن أخيه منلوس الذي قامت الحرب بسبب زوجته هيلين والتي خانته ورحلت مع الأمير الطروادي باريس اعترض الرسالة ومنع وصولها فجاءت إلى أبيها واكتشفت الحقيقة ورفضت أن يدفع عنها أخيل هذا الأمر الإلهي وأن يحول بينها وبين المذبح بعد أن رأت جنوده قد انقلبوا عليه حتى فيلقه من الميرميدون قد شارك ف رجمه..فرفضت أن يزود عنها هذا البطل العظيم الذي تقول الآلهة بأنه سيكون السبب في النصر واختارت أن تضحي من أجل وطنها فوضعت عنقها على رخامة المذبح ورفع الكاهن مديته..ليجدوا..وياللعجب..ظبيا رشا غريرا في مكانها..فقد تقطر قلب ديانا إلهة القمر لها..فهبطت من ذرى الأولمب لتنقذها..ورفعتها إلى السماء..ثم أرسلتها لتكون راهبة معبدها العظيم في مملكة توريس

Helen of Troy by Diane Kruger

 هدية فينوس لباريس..الأمير الطروادي الذي أشعل حربا استمرت لعشرات السنوات تحت أسوار طروادة كما جاء في إلياذة هوميروس..الأمير الذي صادف أن يكون هو الشخص الذي تطلب منه الربات الثلاثة حيرا مليكة الأولمب..منيرفا ربة الحكمة..وفينوس ربة الجمال أن يختار من بينهم من يعطيها التفاحة التي كتب عليها للأجمل والتي تركتها إيريس ربة الخصام التي لم يتم دعوتها إلى حفل زفاف ذيتيس و بليوس فجاءت إليه وهي تستشيط غضبا وتركتها قبل أن ترحل..الأمير الذي سحره جمال فينوس فألقى بالتفاحة في يدها دون تردد مستحقا نقمة وسخط الربتين اللتين لم يقض لأحدهما بالتفاحة..من منا كان ليقوم باختيارآخر؟..الجمال قوة حقيقية وملموسة..الجمال قوة كاسحة مؤثرة لا رادع لها بل ربما هو القوة الوحيدة الحقيقية والمحرك الرئيسي لمسار التاريخ..الجمال هو تجسيد الكمال..الجمال هو تجسيد السيطرة..الجمال يعطيك وعودا متجددة في أصغر تفاصيله لأنك لا تستطيع أبدا أن تحتويه في ذاكرة.. يحاصرك ويلهب جسدك بسياط تؤجج ألسنة من اللهب تسيل عليها أنهار من الفانيليا..يأمر فيطاع ومشيئته كالقدر كذلك..الجمال قوة إلهية..هيلين تجسد فكرة الإلهة وكيف يمكن أن يتحكم الجمال في حياة ومصائر ملايين البشر..كيف أن الجمال يمتلك مشيئته الخاصة التي تحمي وجوده وتفرضه وتجعله أمرا واقعا..الجمال قاسي ومنطقي ويعرف كيف يدبر أموره بواقعية..في الإلياذة الأصلية بعد ان اشتعلت الحرب بسببها وسقط عشرات الآلاف من القتلى ودارت رحى الحرب ومآسيها وتضحياتها لعشرات السنين حتى سقطت طروادة وذبح رجالها وألقى اطفالها من فوق الأسوار وسبيت نسائها وهتكت أعراضهم عادت هيلين إلى ملنيوس زوجها الذي خانته برحيلها مع باريس واحكمت سيطرتها عليه مرة أخرى حتى صار كالعبد بين يديها..حاول المخرج في فيلم طروادة 2004 أن يقدم رؤية واقعية ومنطقية لأحداث الإلياذة وأن ينزع عنها الأسطورية الإلهية مع الاحتفاظ بملحمية الأحداث ولكنه أفقد الملحمة الأصلية الكثير من طبيعتها وشاعريتها وطبيعة الصراع فيها..وفي النهاية.. إذا كنت امتلك مفهوما وتصورا ومقياسا شخصيا لفكرة الجمال فهذا المفهوم يتلخص بشكل كامل في ديان كروجر بكل تفاصيلها