أنا

أنا

الجمعة، 28 أغسطس 2015

دوناتس..قصة قصيرة


  بقلم:محمود فؤاد

إنها واحدة من تلك الليالي,جالسا على أريكتك تتناول القهوة بعد منتصف الليل رغم أنك في آخر مرة لم تستطع النوم بعدها وفطيرة مملحة في طبق صغير أمامك منذ الأمس لم تمسها,أجلس القرفصاء في ظلام دامس أصغي إلى صوت الماء القادم من نافورة صغيرة في مدخل البيت,أحاول التقاط أي أصوات بعيدة ولكن يبدو أن أنه لم يتبقى بشري واحد..اسمع صوت خطوات تتقدم ببطأ في الممر الأمامي للمنزل,أرهف السمع لاتأكد أنها خطوات شخص واحد هو في الغالب امرأة..انهض بتثاقل وأخطو ببطأ تجاه النافذة جوار الباب دون إصدار أي أصوات,طرقات على الباب هي طرقات امرأة,أتجاهلها فاسمعها تقول أنها تراقبني منذ أيام وتعرف أنني هنا..استمر في تجاهلها فتقول أنها قد عرفتني من قبل وأنني لست من النوع الذي يتخلى عن أحد في موقفها..((ساعدني أرجوك))..أخرج من الباب الخلفي وأدور حول المنزل بحذر متفقدا الأنحاء..أتوارى خلف تلك الشجرة وأدير النظر في المكان فلا أجد إلا فتاة شقراء متوسطة الطول تواجهني بمؤخرة عظيمة ومنظر جانبي لأثداء هائلة لكنني لا أفقد حذري رغم ذلك..انتظر قليلا خلف تلك الشجرة لأجدها قد يئست تماما فجلست على السلم مسندة ظهرها إلى الباب مغمضة عينين كبيرتين..انتظر خمسة دقائق أخرى ثم أتقدم تجاهها..أضع يدي على كتفها فتجفل بشدة وتمسك بمعصمي بقوة ولكنها ترخيها ببطأ وهي تنظر في عيني مباشرة وقد انبثق من بينهما شعاع من الليزر الأحمر ومنهما نظرة رعب هائلة ..استدرت فتحركت بقعة الليزر لتسقط على موضع قلبي وصاحبها يتقدم للأمام من خلف شجرة بعيدة مرتديا حلة سوداء أنيقة ونظارة مستديرة بدون إطار (عيون البومة) وقد زحف الصلع على مقدمة رأسه حاملا حقيبة سوداء أنيقة بإحدى يديه..اقترب وعلى وجهه ابتسامة مليئة بالتجاعيد ولوح بمسدسه بأن أسير أنا وهي إلى الداخل ثم جلس على أريكتي وأخذ يتأمل أجسادنا بنظرات مدققة قرابة الثلاث دقائق..أزال طاقم أسنان من فمه دون أن تفارق ابتسامته وجهه بعدها أشار إلى ملابسه ثم إلينا و لوح بمسدسه لأسفل..شعرت برجفة الفتاة بجواري وشممت الأدرينالين يتدفق في عروقها..وقفنا نرمقه بدهشة فأخرج دفترا من جيبه دون فيه شيئا ما ثم ألقى بالورقة أمامنا..(اخلعا ملابسكما..ببطأ)..نبدأ في إزالة ملابسنا..أنزع قميصي فتنزع هي قميصها..أنزع بنطالي فتفعل تفس الشيء..نقف الآن أمامه بالملابس الداخلية فيهز رأسه يمينا ويسارا ببطأ ثم يشير بسلاحه للورقة مرة أخرة..فأزيل أنا بوكسري القطني الخفيف وتذيل هي حمالة صدرها فيشير هو إليها ألا تنزع شيئا آخر..يكتب في الدفتر مرة أخرى ولكن لوقت اطول ويلقى بالورقة أمامنا..(انظر إليها جيدا..الوقت الذي تحتاجه..ثم اجعلها ترتدي ملابسها مرة أخرى..بعدها أريدك أن تغتصبها..أن تمارس معها الجنس بأعنف ما يمكن..أن تفعل معها أقذر الأشياء التي قد فكرت بها من قبل..أنهكها أولا قدر المستطاع قبل أن تلج بها..وهي يجب أن تبدي مقاومة حقيقية)..أستدير إليها وأفعل كما طلب ثم أمزق قميصها بقوة فتتناثر أزراره في كل اتجاه..أضع يدي على حمالة صدرها واعتصرها بقوة بينما هي تطلق سيلا من الشتائم والصرخات والرجاء بألا استمع إلى هذا المجنون المنحرف فأضغط شفتاي بقوة على شفتيها الممتلئتين وأعضها عضة خفيفة ليسيل خيطا رفيعا من الدماء..ادفعها إلى الدولاب القصير خلفها مديرا ظهري له وهي تنتفض في يدي وتغرس يدها وأظافرها الطويلة في وجهي فازداد هياجا بينما شعاع الليزر يتلاعب على الحائط فوق رأسنا.. تدفع رأسي إلى الخلف فأراه قد أخرج حبل صغير من الحقيبة وتقدم ناحيتنا وأشار لها بأن تقوم بتقييد يداي خلف ظهري فتدقعني بقوة بعيدا عنها وتلتقط الحبل وتبدأ في فعل ما طلبه عندما شعرت بسن حاد يخترق عنقي استدرت إليه فزعا لاجده يغرس إبرة محقن في رقبة كل منا ويدفع محتواه إلى دمائنا ببطء..حاولت أن أدفعه ولكن يداي لم تستجيبا..حدقت في وجهه الخالي من أي تعبيرات ثم سقطت أرضا.
كانت الشمس قد صعدت عندما بدأ وعيي يتسرب إليّ مرة أخرى..الستائر الثقيلة مسدلة على كافة النوافذ ولكن تسرب شعاع ضئيل من الضوء هنا وهناك,أشعر بطنين هائل في أذني..تعتاد عيني على الظلام بعد ذلك لأراه يجلس على الأريكة أمامنا يحدق في جسدينا العاريين دون أن يصدر حركة واحدة..أحاول النهوض فلا تستجيب عضلة واحدة..أدير رقبتي إليها لأجدها مازالت غائبة عن الوعي وقد تحول وجهها إلى كتلة من الأصباغ الذائبة المختلطة بالعرق والدموع والمخاط وملتصقة بي تماما.

استيقظت هذه المرة على صوت الجرس يقرع بلا توقف , نهضت وأنا اشعر بأن كل عظمة صغيرة في جسدي تؤلمني ونظرت إلى عقارب الساعة الفوسفورية لأجد أنه قد بقيت ساعتين فقط على غروب الشمس حككت رأسي وانا افكر في هذا الحلم الغريب وارتديت الروب من على مشجب قريب واتجهت إلى مدخل شقتي وفتحت الباب والتفت عائدا للداخل..فتحت باب الشرفة وغمرتني أشعة الشمس  بدفء محبب وقد غطت كل شيء بلون برتقالي خفيف..تبعتني هي إلى الشرفة بعد أن ضغطت على زر تشغيل مشغل الإسطوانات ليتسرب صوت أديل في المكان من حفلة في Royal Albert Hall بلندن وهي صالة الاحتفالات التي تم تغيير اسمها إلى اسم الأمير ألبرت ابن الملكة فيكتوريا المتوفي حديثاً عندما قامت بافتتاحها عام 1841 وحضرت أنا بها هذه الحفلة من أربع سنوات مضت..تقول أديل:Whenever I'm alone with you
You make me feel like I am home again
Whenever I'm alone with you
You make me feel like I am whole again
قالت:((من الجيد أن حصلت على نوم جيد..لقد كنت مرهقا جدا بالأمس..)) ثم صمتت وشردت بنظرها للأمام إلى السهول الواسعة المغطاة بالرمال على مدى البصر خلف الحدائق والتجمعات السكنية القريبة..نظرت إليها وطالعت بشرتها الخمرية الناعمة ورموشها الكثيفة وشفتيها المرسومتين بعناية شديدة , أخرجت سيجارة من علبة مارلبورو حمراء ودستها بين شفتيها ثم لامست طرفها بلهب قداحة وهي تميل عنقها الطويل الجميل لتستقبله..كانت ترتدي قميصا حريريا مريحا  أزرق اللون من تصميم رالف لورين على بنطلون أبيض واسع وحذاء رياضي أبيض..تابعت النظر إليها فالتفتت لي وابتسمت وقالت:((كف عن التحديق بي هكذا..))..اقتربت منها وطبعت قبلة سريعة على شفتيها ثم اتجهت إلى الداخل لتبديل ملابسي, ارتديت تي شيرت بولو قطني أبيض على بلو جينز وحذاء أرضي بني اللون من الشامواه ثم خرجت إلى الصالة حيث كانت تنتظرني,توجهت إلى الثلاجة القريبة وأخرجت زجاجة هاينكين وأشرت لها فهزت رأسها نفيا فحملتها ثم غادرنا الشقة لنتجه إلى محل قريب يقدم الدوناتس والقهوة..دخلنا إلى عربتها المازدا الصغيرة وكانت أصوات العصافير تعلو من الاشجار القريبة,ضغطت على زر الكاسيت فارتفعت موسيقى Gabriel Oboe من فيلم The mission فأدرت غطاء الزجاجة بيدي وجرعت جرعة كبيرة من المشروب البارد وتراجعت في مقعدي وأنا استمتع بالهواء البارد يرتطم بوجهي ويتخلل شعري مع إضاءة آخر النهار الخافتة المحببة إلى النفس وقد اصطبغت زرقة السماء بحمرة خفيفة جذابة..التفت إليها وقلت:((المتعة الحقيقية تكمن في كل ما هو بدائي..الجنس..لوحة مرسومة بألوان طبيعية..))ثم صمت وتابعت هي صمتها قبل أن تقول لي:((كنت تبدو شاحبا للغاية عندما فتحت الباب..)) فأرد بهدوء:((من المحزن دائما أن تنظر بعيون جديدة لأشياء أنفقت الكثير من وقتك للتكيف معها))..تقول لي بصوتها المرح:((أنت فيلسوف لعين اليوم أم ماذا..هيييي..إنزل هنا)) تابعنا السير ثم بحثنا عن مكان لنترك سيارتنا واتجهنا إلى هذا المحل الصغير في مقدمة الشارع ,طلبت قطعة من الكعك بالفانيليا وطلبت هي قطعتين من الدوناتس مع كوبين من القهوة الأمريكية دون سكر لكل منا,قلت لها:((كان لدي هذا الحلم اللعين اليوم..)) نظرت لي بنظرتها الهادئة تلك وشعرت براحة كبيرة وأنا انظر إلى وجهها واستمع إلى موسيقى خفيفة تقليدية لمحلات القهوة والشيكولاتة..أقول لها:((انت لا تعرفين عني الكثير)) فتقول لي:((لا يهمنا أن نعرف الكثير عن الذين نهتم بأمرهم))..أقول :((يقولون أن الجنس هو الفعل الذي يفصلنا عن آبائنا..)) ثم رشفت من القهوة أمامي ومازالت هي محتفظة بهدوئها وقلت:((هذا البيت كان يتداعى..أب وأم يتقدمان في السن ويحاولان قدر جهدهما التشبث بالحياة الفائتة..أختي الكبيرة التي لديها كل ما تريد ورغم ذلك لا تشعر بالسعادة..و ولد طموحه أكبر من أن يستوعبه أي شيء..ما يجمعهم هو شيء واحد..أنهم هشون..هشون تماما..كمجموعة من العرائس الورقية في مهب الريح..ربما أقرب صورة للأمر هو قصة إدجار آلان بو سقوط منزل آشر..كل شيء ضعيف..كل شيء سيسقط ويتحول إلى حطام عند اللحظة التالية ولكنني كنت أحبهم جدا..أحبهم بدرجة مرضية وإن كنت لا أظهر ذلك أبدا))..تقول لي:((إن أحب الأشياء إلينا هي التي تدمرنا))..أقول:((لقد حلمت اليوم أن والدي أجبرني على ممارسة الجنس مع أمي ثم قام بتعذيبنا باستخدام آلاته الجراحية..هل هذا حقا ما هو موجود هناك بمؤخرة وعيي..هل أفكاري حقا بتلك القذارة والسوداوية..أليس منتهى العبث أن من الاحتمالات التي يتيحها هذا الكون بقوانينه وفيزياؤه أن تحلم بمثل هذا ))..تقول:((ربما لديك الكثير من الذكريات السيئة..))..أتنهد بقوة وأقول:((لدي الكثير منها..ولكن ذاكرة الإنسان لا يمكن الاعتماد عليها..هل تعرفين..الأشياء تظل فاتنة وجميلة طالما هي بعيدة..مثل تلك الفتاة التي كانت تذهب معي إلى المدرسة الثانوية ولكنني لم أتحدث معها قط..الضوء الأخضر الذي كان يقف جاتسبي العظيم ليتأمله من الخليج الغربي حيث تسكن ديزي وعندما التقى بها لم يعد كل شيء كما كان..))..تقول:((هل تعاني من أزمة وجود؟..السلطة الأبوية؟))..أقول لها:((أنا أعاني من أزمة حياة..أنا موجود إذن سأعيش..لا أشغل بالي بلماذا أنا موجود..نحن بالفعل نقضي حياتنا في محاولات مستمرة للفرار من فكرة الموت..نشعر دائما بأننا في أمان طالما هناك من هو أكبر منا..طالما هناك ما هو أكبر منا..ومصدر هذا الأمان هو الخوف ..ربما هم مؤمنون لأنهم خائفون..عندما تفكر دائما بأنك لست متأكدا من أصل الوجود ..فلن تصبح أبدا متأكدا من أي شيء آخر))..تقول::((ذات مرة حصلت على هذا الحلم..أنا أجلس على شاطيء البحر أداعب المياه بقدمي..عندما ظهر حولي هؤلاء الرجال يرتدون حلات سوداء ويخبرونني أنه قد حان موعد ذبحي الآن..هكذا دون أي مقدمات..فكرت وقتها أنني لن أعيش حتى الصباح لاستيقظ وأتناول كوبا آخر من القهوة..لن أذهب إلى عملي وأقابل أصدقائي وأفعل أكثر الأشياء عادية في هذا العالم..رباه..الحياة جميلة))..أقول وأنا أنظر لعينيها:((الحياة جميلة لأنها اتاحت لي أن أصبح معك..)) ابتسمت ابتسامة خفيفة وهي تنظر لي من أسفل رموشها ثم تبعد عينيها بسرعة في دلال وتقول :((هذه ليست الحقيقة بالتأكيد))..أقول وأنا أناورها بعيني بينما هي تبعدها وتبتسم :((إذا سأطلب قدر من الشيكولاتة وأضع بعضها عيك وأتناولك قطعة قطعة..سأبدأ بالانف..))..تقول:(( لما لا نذهب للمنزل لنرى كيف ستفعل هذا))..نخرج إلى الشارع وقد حل الظلام وأعطى ضوء الأعمدة الأصفر للشارع جوا حميميا بينما تتراقص الأضواء الملونة على لافتات المحلات أمامنا..عبرنا الشارع إلى سوبر ماركت مقابل..ابتعنا زجاجتين من النبيذ الأحمر وشمعة واحدة..دخلنا إلى السيارة وانطلقت بها في نهر من ضوء القمر الفضي بينما صوت سيناترا يرتفع من الكاسيت:
Something in your eyes was so inviting..Something in your smile was so exciting

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق