أنا

أنا

الخميس، 29 ديسمبر 2016

عن لورين براكو وتايلر دردن وهكذا


بدأت الأمطار في السقوط بغزارة وكانت درجة الحرارة قد انخفضت مع حلول المساء لتقترب من الصفر واحتمى الناس هنا وهناك بمداخل العمارات والمحلات والمقاهي المتناثرة على طول الشارع. باغتتنا الأمطار فركضنا إلى مقهى الأنس الذي يقع على الناصية المطلة على أحد الميادين بوسط البلد ملقيا بأضوائه الصفراء الدافئة على الرصيف الخالي من المارة المغطى بالظلام،وبينما أنا أهم بالدخول لاستقبل وهج الدفء المشع من الداخل ونغمات أغنية يا حبيبي رد عليا ازيك سلامات دانا احبك اد عنيا والعمر في حبك فات، اصطدمت بتلك الغانية عند الباب ومن نظرة واحدة دعوتها على الفور لتشاركنا الجلوس فلم تمانع فاخترنا ركنا بعيدا وشققنا طريقنا إليه في الزحام وجلست أنا وصديقي معها وطلبت حجرا من المعسل مع كوب من الشاي وطلب صديقي مثلي بينما طلبت هي كاكاو باللبن فأصدرت شخرة قصيرة من حلقي وضحكت فضحكت هي الأخرى فمددت يدي وأرحتها على باطن فخذها ثم أبعدتها وأنا أرى أحدهم يقترب ويسحب كرسيا طالبا منا مشاركتنا الجلوس فالمكان زحمة ثم يجلس دون انتظار رد ويقول لي :((خذ راحتك)) فأعيد يدي إلى موضعها ألتمس دفء جسدها خلال سروالها الصوفي الضيق واسحب نفسا عميقا من نارجيلتي التي وضعها الصبي للتو ويغيب ذهني مع الضوضاء التي سادت المقهى المكتظ.
 تأملت الرجل الذي جلس للتو؛خمسيني متوسط القامة ممتليء الجسد بوجه عريض وملامح دقيقة غارقة في هذا الوجه المشرب بالحمرة رغم لون بشرته المائل للسمرة وشارب رمادي عريض يعطي انطباعا كالبحار العجوز مع ذقنه نصف النامية والغطاء الصوفي على رأسه والسيجارة الكليوباترا التي تدلت من زاوية فمه وزجاحة البيرة الرخيصة في يده الأخرى، بدأ الرجل يتكلم دون أن ينظر إلينا:
هذه هي المشكلة.أن تكون على قدر كاف من الوعي يجعلك  تدرك مآل كل ما تلقيه إليك الحياة فتهرب منه، أو أن تدرك أن طريق واحد فقط هو ما يمكن أن يقود لشيء ما ولكن الحياة لا ترى هذا معك،تختار أن تبتعد عنها لعل قلبها يرق لك أو يلين ولكنها تبعث لك بإشارة تلو الأخرى أنها لا تنتظر أحدا،لا تعبأ بك أنت أو حتى بغيرك.في الشطرنج تستطيع أن تختار ألا تمارس النقلة التالية، فإن كانت كل نقلة فرصة متجددة فاللاعب الذكي يعرف متى يتمهل وينتظر، الذكي هو الذي يعرف ما سيحدث فعندها يمتلك القدرة على الاختيار، الذكاء في لعبة الشطرنج ليس بذكاء ممارسة الحياة،قد تعرف في الحياة ما سيحدث ولكن هذا قد يجعلك أقل قدرة على الاختيار،في الحياة إما أن تتركها هي تقرر لك أو أن تختار -الحقيقة أنها من يقنعك بذلك- وعندها قد تصب غضبها عليك أو ترتقي فتصبح جزءا منها.الحياة لا تدين لك بشيء. قالت له الساقطة بجواري:كل عيش يا أبي وتخلص من هذا الذي تملأ به دماغك،تعال إلى جانبي هكذا.وسحبت الزجاجة من يده فتناولت رشفة وأبقتها في يدها فضحك الرجل وقال لها:أنت حلوة يا بنت،وفيك شبه من لورين براكو و أنت لبؤة حقيقية مثلها، اللبؤة الحقيقية لا يبدو من أفعالها أنها تدرك حقيقتها.فضحكت ومالت برأسها ببطء تجاهه لتغمره بعطرها الرخيص وقالت: شنبك هذا يقتلني في مكاني.فقال وهو ينظر إليها :بنت القحبة هذه الوحيدة التي استطاعت أن تطوع الطبيعة والحياة لصالحها حقا بل وأن تخدعها،أعطتها الطبيعة هذا الجسد العامر لتجذب شريكا لها يستطيع توفير الموارد لنسلها فتمرر جيناتها داخل النظام الاجتماعي ولكن هذه العاهرة تآمرت مع العلم الحديث الذي أمدها بخيارات متعددة فوظفت الجنس لصالحها.
 تابعت الرجل بتركيز شديد وانتابتني رغبة حقيقية في أن أصفعه على وجهه ولكني آثرت الصمت بينما انهمك صديقي في مكالمة تليفونية،ونادى الرجل على النادل يطلب أربعة زجاجات من البيرة له وللفتاة فأحضرها النادل في كيس أسود فأخذها مع الفتاة ورحل،كانت عفاف راضي تغني الآن أن عوج الطاقية الوله وبص ليا..وقال كلام للهوا ورماه عليا، عندما أخبرني صديقي أنه مضطر للرحيل كذلك وكانت الأمطار قد توقفت.

قلع الطاقية وحلف آل إيه مبينامشي،وأنا ذنبي إيه يا جدع قال السبب رمشي.

كان المكان قد بدأ يخلو من الرواد فتابعت بعيني صاحب المقهى الذي يجلس إلى الماركات يبدو عليه آثار سطل الحشيش ويصدر برأسه تهاويم النوم وأخذت اتأمل المارة من زجاج المقهي يروحون ويجيئون في حركة بلا هدف ثم وضعت مبسم نارجيلتي ونهضت باتجاه الرجل المسطول الذي مال رأسه على صدره فاقتربت برأسي منه ثم طرقت بيدي على الماركات بقوة فانتفض الرجل من نومه مذعورا ففتحت فمي بابتسامة صفراء عريضة،هم الرجل أن يسبني فاحتفظت بابتسامتي ونظرتي التي لم تفارق عينيه حتى رأيته يرتجف واستدرت مغادرا ببطء.
 وجدتها تنتظرني مع الرجل في مدخل إحدى العمارات بزقاق في نهاية الشارع وقد مال عليها يحاول تقبيلها فأخرجت صاعقا كهربائيا صغيرا من جيبي وجذبته بعيدا عنها ودسست قطبي الجهاز بين ثدييه فانتفض وسقط أرضا،فاوسعته ضربا بقدمي حتى سال دمه.
((ترى نفسك مثقفا يا ابن العاهرة..))
ثم اقفز بقدمي على جسده فتقفز فتاتي معي وهي تصفق بيديها في نشوة. 
((إذا فلتعرف أن تاريخ الحياة البيولوجية هو تاريخ الافتراس))
 أضع على وجهي قناعا لتايلر دردن من فيلم نادي القتال بينما تضع هي قناعا فينيسيا موشى بخيوط ذهبية على خلفية سوداء يغطي نصف وجهها بنصف شفتين عابستين بينما يظهر نصفي شفتيها الأخريين على وجهها نفسه يعلوهما ابتسامة واسعة يلمع على طلائيهما الداكن ضوء الشارع أسفل بشرتها ناصعة البياض وعينيها اللوزيتين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق