أنا

أنا

الجمعة، 2 ديسمبر 2016

قصص القرية الغير مكتملة (1)



أعرف كيف أبقى وحيداً..لكنني رغم ذلك أحبك
صمت
نولد ونحن نظن ان آباءنا وأمهاتنا كائنات أبدية..فالأطفال يملكون حقيقة كل شيء
صمت
عندما كنا أطفالا كان يمكننا تقبل فكرة أن المستقبل مشرق ومليء بالمفاجآت..التي لابد أنها جميلة
صمت
******
https://www.youtube.com/watch?v=Riytk96ARlM

صمت
*****

استيقظ ((ركابي))من النوم ليجد ان التمثال الذي أمسى ينحت الأجزاء النهائية منه حتى منتصف الليل أصبح وقد دبت فيه الحياة, يقف عاريا في الزاوية التي تركه فيها بالامس وعلى وجهه نظرة ذاهلة. في البداية ظنه لصا ما ولكن ها هي التفاصيل الدقيقة التي أمضى ليال طويلة يصقلها بينما يطالع نفسه عارياً في مرآة بطول الحائط,نظر إلى نسخته يحاول استيعاب ما يحدث,لقد خلق هذا التمثال على شاكلته وأضاف إليه ما تمناه في جسده يوما ما,كان قد أضاف أجزاء من جثث متعددة ثم قام بتثبيتها بالجص وصنع هيكل خارجي يشبهه وقام بطلائه فبدا الشكل النهائي أكثر تناسقا ولم يحتج الخيوط الجراحية والتي كانت ستخلف ندوباً قبيحة,لا يعرف كيف دبت الحياة فيه كما لا يعرف كيف دبت الحياة في الخلية الأولى من مليارات السنين,يطالع أمامه الآن النقيض الحي لمسخ فرانكنشتاين.
توجه ركابي إلى غرفته وأخرج حقيبة متوسطة الحجم من دولابه ملأها ببعض الملابس  ثم ذهب إلى حمامه وأحضر فرشاة أسنانه وماكينة حلاقة ومزيلاً للعرق,حمل الحقيبة إلى سيارته وانطلق إلى الصحراء,كان قد صنع هذه النسخة الباردة من نفسه حتى يستطيع أن يعود إلى نفسه القديمة عالية الحساسية,ترك البرودة التي اكسبته إياها سنوات طويلة من الأزمات التي علمته بالتجربة تناولها بموضوعية وواقعية,نجح بالتدريج في تجاوزها ولكن خياله الذي دائماً ما عذبه بالتفاصيل كان قد ذوى وانحسر,,حينها شعر بانه إنسان مفرغ من أي معنى,أو قيمة,كان قد نجح في الواقع وانهزم في عقله,النجاح بالنسبة له يكمن في القدرة على الاختيار اولاً,اختار هو دوما ما فرضته الاحتمالات ولم يفكر ان يسبح عكسها أبداً ليعيش كما تمنى في صباه وشبابه,أن يعيش ليتذوق الجمال ,أن يتخلص مما رضخ له من قواعد وقوانين في حياته الخاصة تحت ضغط المجتمع حتى يكون مقبولاً قادرا على التواجد به بينما يتمزق هو من الداخل ويرى السنين تنسال من بين يديه, حتى اللحظة التي دبت فيها الحياة في هذا التمثال فقرر ألا ينتظر أكثر..حمل حقيبته وخرج إلى عائدا  إلى قريته.
صمت
*****
https://www.youtube.com/watch?v=wwNAwkulMF0
صمت
*****

في قريتي كانت هناك نخلة..هذه النخلة ليست بطويلة وليست بقصيرة ولكن ثمارها شهية..شهية جدا..لم آكل منها من قبل لكن الحكايات عن ثمراتها لم تنته أبدا..عن قشرتها الرقيقة الناعمة المخضبة بالأحمر التي تنكسر برفق وسهولة بضغط خفيف من أسنانك لتسيل حلاوتها في فمك فيغيب عقلك..عن استدارة جذعها بخفة ورشاقة..عن غزارة سعفها وليونته وتمايله شوقا..عن عنقودين كبيرين يتدليا منها ناهدين مستكينين في دعة يمامتين وخفة فراشتين وقوة مهرتين..لكي تصل لهذه النخلة هناك عدة مشاكل.. هي بعيدة..وحيدة..يحرسها نفر من الجن أقنعها أنها له وحده..هو وحده هناك ليستمتع بعسلها ولبنها..تقع في منتصف أرض غزيرة الغاب استوطنها الأفاعي والزواحف..والطريق إليها يمر بالمقابر المليئة بوحوش كلاب القرية والأرواح المضطربة التي لا تهدأ ولا تجد لها مستقرا..دعوت الله أن يحولني إلى طير فأحلق إليها لكنه حولني إلى سمكة بلطية كبيرة رائعة الجمال فاستطعت أن أصل إليها عن طريق الترعة التي تمر بجوارها ويسقط فيها تمرها..فالآن أستطيع أن أراها ولا أستطيع أن آكل منها
صمت
******
https://www.youtube.com/watch?v=WRSEpS2veCI
صمت
******
 
سأحكي أنا هذه القصة فاستمعوا إليّ..عندما كنت طفلة صغيرة لم تتجاوز السابعة حدثت لي..ذات ليلة استيقظت من النوم فلم أجدني في سريري..اتلفت حولي فلا أجد أبي ولا أمي..أدرت رأسي وعلى ضوء لمبة الجاز الخافت استطعت أن أرى أخوالي ينامون هنا وهناك على الأرض وفوق كنبات في أركان الحجرة..تملكني هدوء عجيب..كأنني أحلم..نهضت..جذبت شال جدتي الأسود الكبير ولففت به جسدي....كان الدوار الكبير المبني من الطوب النيء دافئا رغم برودة الجو بالخارج..حملت خفي وخرجت من بابه الضخم ووقفت أرمق الجرن الذي يقع بين بيت جدتي وبيتنا والبيوت الطينية المتراصة على جانبيه..شعرت بالبرد يزحف إلى ظهري وجانبي فضممت الشال أكثر واكثر وانا أرى كل الكائنات من قصص جدتي تنتشر في أركان الجرن الواسع..كالمسحورة تقدمت..في بدايته كان يقف المارد وهو جني ضخم طويل القامة..وقف ينظر لي من اعلى وجسده يشع بضوء شاحب..ضحك لي فرأيت أنيابه القوية تلمع في ضوء القمر فأغمضت عيني وتابعت المسير فلم يمسني بسوء..بعدها رأيت في ركن الجرن البعيد حورية رائعة الجمال تشع ببريق كاللؤلؤ وعينين  زمرديتين في لباسها الأبيض الطويل تقف هناك على حافة الجرن تنادي باسم أحدهم وتكرره وتكرره..وعندما خرج إليها كالمسحور استطالت واستطالت كالأفعى ومدت عيون حمراء وأنياب قاطعة إلى رأسه فالتهمتها في لمح البصر..في أحد الأركان رأيت بشريا عاريا منحنيا على شيء ما..عندما اقتربت منه استطعت أن أرى ظهره الأحدب وجلده السميك المجعد..إنه غول كما وصفته جدتي..لم أحاول النظر إلى وجهه أو لما يأكله فأنا أعرف ما سأراه..استدرت لأجد فتاة  صغيرة ملتفة في شال أسود تقف في مواجهتي..أتحرك فتتحرك  ألوح بيدي فتلوح..رأيت لمحة من وجهها على ضوء القمر فعرفت أنها قرينتي في العالم السفلي..أسرعت الخطا مبتعدة عنها ولففت حول كومة كبيرة من من القش تغطي أقفاصا حديدية بداخلها أطفال صغار من خلفها تل عال من الأتربة تجلس عليه أمنا الغولة ترتدي السواد ويغيب وجهها في ظلال غطاء رأسها الاسود تمد يدا مخلبية تجاه أحد الأقفاص لتفتحه..فزعت فهرولت تجاه باب دارنا..تسللت إلى الدار من شباك استطيع أن أمد بيدي الصغيرة لافتحه من الداخل وأنا أشعر بيد أمنا الغولة تقترب ثم اغلقته خلفي بقوة وهرولت إلى غرفة أبي وأمي ودخلت إلى حضن أمي الدافيء.

صمت


******
 
عندما تقون بطعن أحدهم في الصدر فلا تترك السكين هناك قبل أن ترحل.. وعندما يقوم غراب بنبش أحد القبور الواقعة على أطراف القرية فلا تترك القبر مكشوفاً..لا تترك قطرات من المياه تتسرب إلى الجثة الراقدة أسفله....حين كنا صغاراً كنا نذهب إلى بيت الجدة العجوز لتحكي لنا تلك الحكايات المرعبة..تحكي لنا عن الحورية رائعة الجمال التي كانت تتبدى لشباب القرية في الخلاء ليلا بينما يقومون بري أراضيهم أو بحراسة شونة الغلال ثم يسيرون وراءها كالمسحورين فيجدونهم في الصباح غارقين في الترعة القبلية دون جلودهم..تحكي عن الذئب الذي جلس أسفل شباكها في ليلة ما يتكلم بلغة غريبة شيطانية فاستيقظت لتجد نفسها وقد عادت شابة مرة أخرى ولكنه عاد ليطالبها بالثمن..تتسع عيناها الضيقتان بشدة ونحن نسألها فاغري الأفواه عن هذا الثمن فلا تقول لنا أبداً..تحكي عن رجال القرية الذين خرجوا إلى الصحراء القريبة ومعهم شيوخ يخاطبون الجان بحثاً عن المقابر العامرة بالكنوز فاستيقظت زوجة كل منهم في يوم ما بعد شهر كامل  لتجد جثة زوجها الخالية من الدماء ترقد بجوارها..كانت تحكي لنا كل هذا وأكثر وكان لديها معيناً لا ينضب من هذه الحكايات.
كانت هناك كذلك قصة ذلك الإقطاعي القديم الذي كان يمتلك القرية وما حولها..كان رجلاً وسيما قويا يمتلك شاربا ضخما ليس له مثيل..عندما كان شاباً كان يشق الطرقات الزراعية كل صباح عاري الصدر على ظهر جواد دون سرج وكن جميعا يرمقنه بنظرات الإعجاب من وسط الحقول..المهم أنه في أحد الأيام أعلن الفلاحون عصيانا عليه بعد أن اشتد الفقر والجوع عليهم ولم يعودوا يجدون حتى ما يطعمونه لأطفالهم..قام بتعذيبهم بشدة وحتى الموت لكنهم لم  يستجيبوا بل أنهم قاموا بقتل بعض الخفر وحرق المحاصيل ومخزون الغلال وتجرأوا وهاجموا سراي الباشا الكبير..وفي ليلة سوداء كالكحل غاب عنها القمر خلف سحب كثيفة انطلق الخفر يقتحمون بيوت أهل القرية ينتزعون الأطفال من أحضان أمهاتهم بينما قام آخرون بتعليق المشانق في الأشجار المحيطة بساحة القرية..كانت عشية العيد وقد خلد هؤلاء الأطفال للنوم وهم يحلمون بملابسهم الجديدة وألعابهم التي سيحصلون عليها في الصباح..فزعت القرية بأكملها خلف أطفالها وتبعوا الخفر وهم يصرخون ويولولون ليجدوا الباشا الكبير يقف في منتصف الساحة وأسفل شاربه ابتسامة مقت ومن عينيه تطل كل شرور الدنيا وقد طوق الخفر الساحة وهم يحملون المشاعل والأطفال يقفون في أحد أركانها يبكون ويرتعدون بشدة..لم ينطق الباشا بكلمة واحدة وإنما اشار برأسه فاقتاد الخفر الأطفال وكان عددهم إثنا عشر إلى المشانق القريبة وأحاطوا رقابهم الصغيرة الضعيفة بحبالها الغليظة بعد أن أوقفوهم على كراس عالية من الخشب..ارتفع صراخ اهل القرية وتعالى النشيج والبكاء وهم ينظرون إلى الأطفال الذين تطل من عيونهم نظرة غير فاهمة وأخذوا يتوسلون ويعتذرون ولكن الباشا أدار وجهه إلى الأطفال وأشار إلى الخفر ليسقط إثنا عشر كرسيا ويتدلى إثنا عشر طفلا من الأشجار يهتزون بعنف كالدجاج المذبوح حتى تسكن حركتهم تماما وقد ضاقت العقد حول رقابهم..في هذه اللحظة ارتفع صراخ امرأة عجوز مكسوة بالسواد ويتناثر شعرها الأبيض الأشعث على جانبي رأسها من أسفل غطاء رأس ممزق :((ملعون !..ملعون أنت ونسلك !))..ثم بدأت تتكلم ببطء:((سيستيقظ هؤلاء الأطفال عشية يوم العيد..سيستيقظون ليستعيدوا فرحتهم التي سلبتها..عندما يعبر غراب أسود على قبورهم ويقوم بنبش أحدها..عندما تسقط قطرات المطر لتشق رحم الارض وتتسرب إلى أجسادهم..عندها..سيعودون))..كانوا يلقبون هذه المرأة بالمبروكة وكانوا يخشونها كثيرا ويعلمون أنها تمارس السحر وتتصل بالأرواح..كانوا يعلمون هذا ولكن الباشا لم يكن يعلمه..قال: ((ابتعدي من هنا أيتها المرأة المخرفة..ابعدوها))..ولكنه رأى النظرة التي كانت تطل من عينيها..كانت نظرة مخيفة وصادقة لو كان لك ان تقول هذا..فزع الباشا وارتبك بشدة ثم هرع إلى حصانه وامتطاه وانطلق إلى السراي الكبير بسرعة كبيرة..بعدها أمر أن يتم دفن الجثث في مكان جاف وأن يتم بناء سقف فوقها لمنع الأمطار من الوصول إليها..كذلك امر الخفر بأن يقوموا بقتل جميع الغربان في القرية فأقاموا المصائد في كل مكان وانطلقوا يقتلونها ببنادقهم وقاموا بفرض حراسة شديدة على المقبرة خاصة ليلة العيد..لم يحدث أن شوهد غرابا يحلق فوق هذه القرية لزمن طويل وكان يتم تجديد سقف تلك المقبرة المنعزلة على اطراف القرية باستمرار حتى لا تصل مياه الأمطار إليها..استمر الأمر لأجيال وأجيال حتى بعد موت الباشا بعد ان ظل الشعور بالذنب يعذبه طوال حياته وهو يتخيل جثث هؤلاء الاطفال تحيط به وتبدأ في إنزال لعنتها عليه بأبشع الطرق وتابع أبناؤه وأحفاده تنفيذ ما بدأه ولكن الاجيال الجديدة منهم نسيت الأمر وآخرون قالوا أنها خرافات وتزوجوا واختلطوا بأهل القرية وبعد زمن طويل لم يعد أحد يعلم أين دفن هؤلاء الأطفال بالضبط أو حتى يهتم بقتل الغربان التي تحلق فوق القرية.
صمت

*******
https://www.youtube.com/watch?v=wsQ01UF1Ni0
صمت

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق