ما أراه في خيالي,ما أشعر به من حزن مقيم أو فرحة غير مبررة وتلك الحاجة للتسامح مع الذات من أجل الاستمرار,ذلك الجمال الذي يثير في النفس كل المخاوف يطالعني في بداية كل أمسية من شرفتي المطلة على ميدان المحافظة,الأفق الأحمر خلف تمثال أم كلثوم والأشجار تتمايل في الميدان مع لسعة خفيفة من البرد,موسيقى بحيرة البجع تتسرب من الداخل, أمامي كوب من الشاي الثقيل الساخن وفي يدي أجندتي القديمة أكتب,أكتب دون هدف وإلى حيث يأخذني ذهني,متى لا يتحول الأمل إلى خيبة,لماذا لكلمة الأمل والألم نفس الحروف,أعني كإنسان كيف أعرف أنني سأنجو واحتمل إذا لم اختبر,إذا استيقظت غدا لأجد الدولة قد انهارت واختفت,عندما أسير وحيدة في شارع مظلم ووقت متأخر مع احتمال أن يظهر هذا الشخص فجأة من اللامكان ليغتصبني ويشوه وجهي واضطر لمواجهة الحياة بعدها,أن أعبر الطريق لتصدمني عربة ما بقوة فأموت أو لا أموت,إذا أصابني أنا بالذات مرض مميت غامض ليس له علاج بعد,أن يقرر أحد أعضائي الحيوية التوقف فجأة عن العمل,هذا يحدث للكثير من البشر فلماذا لا يحدث لي,عندما أمر بلحظة سعيدة أجدني رغماً عني أفكر في الموت, وأنه ليس مخيفًا إلا لمن يحذوه الأمل بأن يحيا حقاً يوماً ما,ها أنا أجلس هنا وحيدة في الظلام أرتدي قميصاً وبنطلوناً للتعرق واسعين حافية القدمين,عندما أقول أنني وحيدة فأنا أعني ذلك,أعني أن معظم علاقاتي من هذا النوع القوي لكنه مؤقت,هذا الشاب الفقير الذي يصغرني والذي قريبا سيتزوج وينتهي هذا الشيء بيننا,هذا الرجل في منتصف العمر نتفاهم جيداً ولكنه لا ينظر لي بهذه الطريقة..روايات دوستويفسكي في الشتاء بينما تمطر بالخارج وموسيقى كلاسيكية تتسرب من الراديو وأنا شابة صغيرة نحيفة أتمدد على أرضية الغرفة في الصالة الواسعة,والدي يقرأ جريدة الأهرام مرتدياً روبه الصوفي في الشرفة وأمامه فنجان من القهوة المركزة ذات الرائحة المنعشة والشارع الهاديء يتحرك بالأسفل يرفع رأسه تجاهي ويبتسم بحنان.هذه الشقة هي كل ما طلبته وكل ما حصلت عليه بعد وفاة والدي,والدي الطبيب الشهير ابن البكوات,تزوجت والدتي بعد موته بشهور وتركتني وحيدة في هذه الشقة وهو كل ما تمنيته يوماً,أن أحصل على مكاني الخاص,هذا المكان بالتحديد.
قصر إبراهيم بك الشناوي يواجه شقتي عند تقاطع شارع الجيش وقناة السويس وقد تحول هو نفسه إلى مقر لمديرية الأمن يوماً ما ففقد جماله,إبراهيم بك الشناوي ابن محمد باشا الشناوي العضو السابق بكل من مجلسي الشيوخ والنواب والعضو البارز بالوفد وأحد المقربين من الزعيم التاريخي للوفد سعد باشا زغلول ,محمد بك الشناوي أكبر أثرياء المنصورة والذي عاش بقصر آخر هو قصر الشناوي الذي كان يطل على النيل قبل أن تحاصره تلك الكتل الأسمنتية الخرسانية القبيحة التي شيدت على جسد النيل بعد ردم أجزاء منه القصر يقع حاليا مهملاً في شارع الجمهورية ,بدأت أعمال البناء به عام 1928 وانتهت في1930,القصر مبني على الطراز الإيطالي وتبلغ مساحته 4164 متر مربع, وهو مكون من بدروم وطابقين وتم استيراد السلم الذي يربط بين الطابقين بكامله من إيطاليا,سر جماله الحقيقي أنه شيد من الخشب المعشق بدون أي مسامير, ملحق به حديقة وملاعب تم سلبها والبناء عليها,القصر تم تشييده على يد مهندسين وعمال إيطاليين,حصل القصر على شهادة من موسوليني شخصياً كأجمل قصر تم تشييده خارج إيطاليا بيد إيطاليين .حكى لي والدي أن هذا القصر قد استقبل سعد باشا زغلول ومصطفى باشا النحاس بحضور جدي وأنه قد حضر بنفسه عندما غنت به أم كلثوم في حفل زفاف زكي بك الشناوي,كان جدي مدعواً دائما إلى الحفلات التي كان يقيمها محمد بك ثم ابنه زكي بك ودائماً ما اصطحب أبي إليها وهناك التقى بأمي التي كانت ابنة أحد كبار الملاك بمركز نبروه.استقبل القصر كذلك محمود باشا النقراشي رئيس الوزراء, وكذلك أحمد باشا ماهر, وقد حضر به إبراهيم باشا عبد الهادي رئيس الوزراء جنازة المرحوم زكي الشناوي عند وفاته.
كنت قد غافلت الحارس وتسللت ذات مرة إلى هذا القصر مع شاب التقيته في ليلة ما وكنت ثملة للغاية ,مارسنا الجنس على أرضيته المتربة وأنا اتأمل اللوحات الزيتية على السقف المعلق على ضوء السيارات والمحال الخافت الذي يتسرب من خصاص النوافذ ,أتذكر أبي والدنيا تدور بي,تجولنا بعدها في جنباته على ضوء ولاعتي وهو يتبعني غير مكترث,تأملت اللوحات الزيتية والتحف التي كستها أتربة كثيفة والحوائط المتربة ذات اللون العاجي الباهت,كان لضوء النيران تأثيراً أحببته دائماً,صعدنا إلى الطابق الثاني على السلم الإيطالي الشهير ودخلنا إلى إحدى أجنحة الإقامة,على ضوء ولاعتي رأيت صورة فوتوغرافية بالأبيض والأسود في برواز فخم أعلى سرير خشبي عريض ,طلبت منه أن يمارس معي الجنس ثانية في غرفة زكي بك الشناوي التي نام فيها مع زوجته للمرة الأولى .
الابنة الصغرى التي نسيها الجميع ونسيتهم,الابنة متوسطة الجمال التي لم تتزوج رغم الحسب والنسب والتي شكلت عبئاً على الجميع,وحيدة في هذه الشقة الواسعة مرتفعة الأسقف والنوافذ الواسعة على الطراز الإنجليزي والتي هي نفحة حقيقية من الزمن القديم,مدفأة صغيرة من الرخام الأبيض في صدر الصالة يعلوها وجه روماني منحوت في أربعة أشكال من عدة زوايا في الجزء البارز منها قد علقت الأتربة بثناياهم ولوحة زيتية كبيرة تحمل صورة جدي بالزي الملكي الرسمي وثريا فخمة مغبرة تحلق في فضاء عريض من التحف واللوحات والمقاعد كلاسيكية الطابع,في أوائل الأربعينات من عمري أستطيع أن أتحمل تكاليف حياتي بالكاد ولكنني أملك شقة كهذه ,هذا هو النصر الوحيد في حياتي.
على مقربة من منتصف الميدان أيضاً يقع مسجد النصر ككاتدرائية تحاول التظاهر بالقدم والعراقة رغم أنه شيد عام 1954ويظهر من بعيد تمثال رمسيس الثاني الذي وضعوه حديثاً في مقابل الاستاد الرياضي,تبدو هذه الشوارع الرئيسية أنيقة نوعاً ما ولكنك تدلف يميناً أو يساراً فيغمرك القبح والتشوه الذي يسكن الشوارع الداخلية لهذه المدينة,كالصراصير تزحف على الميادين والشوارع الرئيسية في الصباح ثم تعود إلى مكامنها في المساء,أعمل موظفة بقصر الثقافة محاطة بمجموعة من الاشتراكيين والناصريين ضيقي الأفق المصابين بالبارانويا تجاه كل شيء بالإضافة إلى مجموعة من الجهلة غير المؤهلين حتى لتنظيف المكان,أنا المرأة الوحيدة الغير محجبة في المكان,هذا جعل الكثيرين يحاولون التقرب مني,السيدة الوحيدة المتقدمة في السن التي يبدو عليها لمسة رقي واضحة وعز زائل والتي تسربت عنها قصة أنها عاشت رفيقة لإحدى قادة الحركة الطلابية اليسارية في السبعينات,كانت هذه مرحلة عشت فيها وحيدة بالقاهرة وآمنت بمباديء ما احتقرتها بعدها بشدة,الحركة الشيوعية وباء يجب التطهر منه متى ظهر أولاً بأول.
كنت قد عدت من عملي مبكراً فاليوم هو الخميس,تناولت الغداء وحصلت على قيلولة طويلة استيقظت بعدها لأعد الشاي واجلس في الشرفة أكتب هذه الكلمات وانتظر هذا الشاب,أراه من الشرفة يتحرك في الميدان ليعبر الطريق وسط طالبات المدارس بزيهم الموحد, القميص الأبيض والجوب الكحلي,ينظر لأعلى,يراني فيبتسم,أرى البواب ينظر إليه في استياء ثم يرفع رأسه تجاه شرفتي ويعيدها هو يهزها يميناً ويساراً.أنا مسز روبنسون من فيلم the graduate ولكن لم يوجد يوماً مستر روبنسون,السيدة المتزوجة المتقدمة في السن التي تحاول امتصاص حيوية وقوة هذا الشاب اليافع ونضارته,لم أتزوج يوماً ما ولكنني عشت كذلك,نحن السيدات الاكبر نكون يائسين,سهل الحصول علينا,شاكرين.عندما سألته عن سر تعلقه بي اجاب أننا الأكبر في السن نعرف جيدا ما نريد,النساء في سني يكونون أكثر جرأة,مستثارين دوماً,عظماء في السرير وأكثر مغامرة,في رأيي أنا هم ينبهرون بتلك العلاقات القصيرة التي لا تحمل أي التزامات بدون أي مشاكل أو احتياجات تفرض عليهم ولا يستطيعون اشباعها,ربما هذه المشاكل نفسها هي التي انكسر لها قلبهم من قبل مع فتيات أصغر,ياللمساكين,يخبرني أن الحديث معي أسهل,أنني أستطيع التعامل مع الأمور بقدر كبير من الحكمة والنضج ولا أشعره بأي ضغوط,كل هذا يمكن أن يكون صحيحاً ولكنه بالتأكيد قد شاهد الكثير من الMILF porn.
استقبلته على الباب بقبلة طويلة ثم توجهت إلى الداخل,حصلت على دش دافيء سريع وارتديت ملابس داخلية بيضاء وروباً أبيضاً شفافاً وأبقيت شعري مبتلاً دون ان أصففه كما يحب,وعندما عدت للصالة وجدته قد أشعل المدفأة وجلس أمامها متربعاً يحمل في يده كأساً من النبيذ الأحمر من الزجاجة بجانبه وبشرته السمراء تلمع عاكسة وهج النيران.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق